صدر برنامج المترشح محمد ولد الغزواني في 48 صفحة من القطع المتوسط مرتبة بين دفتي كتيب أنيق حمل عنوانا مميزا: تعهداتي، وضم في محتواه مقدمة بعنوان الرؤية والالتزام، وأربعة فصول تم تكريس الأول منها للسياسة والثاني للاقتصاد والثالث للمجتمع والرابع للتنمية البشرية.
وقد أشرف المترشح بنفسه على إعلان البرنامج في مهرجان حاشد بقصر المؤتمرات وألقى في هذه المناسبة خطابا مفصلا عرف بخطاب عرض البرنامج ليتيح لنفسه الفرصة كي يشدد أمام مناصريه على بعض التعهدات والوعود الواردة في البرنامج المكتوب كما شكل اللقاء سانحة للجمهور كي يختبروا عن قرب صدق نبرة الرجل فليس من رأى كمن سمع.
جاء الخطاب مفصلا حاملا لنبرة قوية تميزت بالفصاحة وكان حضور الخطيب طاغيا إذ مكنه استخدام الأفعال بصيغة المتكلم من التأثير المباشر في سامعيه فعم الحماس على إيقاع كلماته وشكل الهتاف علامات ترقيم لخطابه. وقد حرص المترشح على استخدام الفعل "أريد" كلازمة تكررت تسع مرات فدل ذلك على قوة إرادته فيما بدا تصميمه صلبا وهو ينطق الأفعال: "أجعل، أعمل، أفرض، أضع، أتخذ، أمنح، أصون..." التي تكررت في الخطاب أكثر من سبع عشرة مرة مسبوقة بحرف السين الدال على مستقبل قريب جدا حتى ليظن السامع أنه سيبدأ مع انبلاج فجر الثالث والعشرين من شهر يونيو.
يبدأ البرنامج بتقديم رؤية إصلاحية عن الدولة وقيمها تتمثل في تعهد بالمأسسة ينطلق من تعزيز المؤسسات وإرساء آليات لتكاملها ضمانا لحسن اضطراد عملها ثم يقترح عقدا سياسيا لأطراف العمل السياسي يوفر ميكانيزمات لنقاش هادئ ودائم بين الموالاة والمعارضة ويضمن إطار تشاور يمكن من استقبال زعيم المعارضة الديمقراطية بشكل منتظم من طرف رئيس الجمهورية.
يولي البرنامج أيضا أهمية بالغة لفصل السلطات ويتعهد في هذا الإطار بتوفير الظروف المناسبة للبرلمان والإدارة والقضاء للعب الأدوار المنوطة بهم في إطار دولة القانون، قبل أن يعمد إلى ربط قيم الجمهورية بالقيم الإسلامية ويمضي متعهدا بالدفاع عن الشريعة الغراء وقيمها السمحة ليقدم بعد ذلك وعودا بدعم المحاظر وعصرنة تسيير الأوقاف.
كما يرصد البرنامج عناية خاصة لسلامة الحوزة الترابية وحماية أمن المواطن ويتعهد في هذا الصدد بمكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والهجرة السرية. أما فيما يتعلق بالإرهاب وصنوه التطرف فيخصهما باستراتيجية مواجهة مزدوجة تكون عسكرية في المقام الأول وإن تحتم في بعض الحالات أن تكون فكرية أيضا من أجل تفكيك البنية الذهنية للتطرف الصادر عن مرجعيات خارج السيطرة.
يتعهد البرنامج كذلك ببناء دبلوماسية ديناميكية وفعالة تقوم على مبدأ حسن الجوار وتهدف إلى الحفاظ على السلم والأمن، وضمن هذا السياق يقدم المترشح وعدا بتزويد الممثليات الديبلوماسية بطاقم متخصص قادر على جذب المستثمرين الأجانب وتأطير جالياتنا المهاجرة، كما يأخذ على عاتقه مهمة تنشيط المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية بما يضمن أن تضطلع بلادنا بدور رائد ضمن مجموعة الخمس في الساحل، والاتحاد المغاربي، ومنظمة استثمار نهر السنغال... إلخ، أما على المستوى القاري والأممي فسيتواصل السعي إلى تعزيز نفوذنا في الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة...الخ.
يصل الفصل الأول من البرنامج إلى نهايته مع النقطة الخامسة المكرسة للإدارة العامة فيلحظ قصورا كبيرا في أداء المرفق العمومي ويتعهد باتخاذ جملة تدابير هادفة إلى تحسين الإطار المؤسسي والتنظيمي للإدارات من خلال إعادة تحديد مهام الدولة وتكييف الهياكل والإجراءات وتبسيط المساطر والشكليات والرفع من مستوى الأداء، كما يعد بجعل نظام الأجور أكثر تحفيزا ونظام التقاعد أكثر ملاءمة لتطور مستوى المعيشة إضافة إلى استحداث إجراءات متعلقة بمكافحة الرشوة ورصد جائزة للنزاهة والابتكار.
في بداية الفصل الثاني من البرنامج المكرس للاقتصاد يعلن المترشح عن عزمه التصدي للعراقيل التي تقف في وجه بروز اقتصاد منفتح ومتنوع، يخلق فرص العمل والقيمة المضافة، كما يتعهد بانتهاج سياسة تمكن من التحكم في المديونية وتضمن تحقيق نسبة نمو سنوي في حدود 7% وتحافظ على توازن الميزانية وتقلص التضخم إلى أقل من 4% لصيانة القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود.
وسيتم في إطار السياسة الاقتصادية الجديدة التركيز على القطاعات الاقتصادية التي تتمتع فيها بلادنا بمزايا تفضيلية كالزراعة والتنمية الحيوانية والصيد البحري والمعادن والسياحة.
ففي مجال الزراعة سيتم استصلاح آلاف الهكتارات سنويا وشق القنوات وبناء السدود وفي منعطف نهاية المأمورية سنصل إلى مستوى الاكتفاء الذاتي من مادة الأرز وستتوفر لنا إمكانية انتاج القسط الأوفر من احتياجاتنا في مجال القمح والخضروات.
وفي مجال الصيد سيجري إقرار استراتيجية وطنية للتسيير المسؤول وزيادة البنى التحتية للتفريغ المزودة بالخدمات الأساسية أما فيما يتعلق بالقطاع المعدني فالاهتمام منصب على ترقيته بشكل مستدام يراعي المسؤوليات الاجتماعية والمشاغل البيئية، كما يمكن للسياحة كقطاع واعد أن تسهم في ازدهار الاقتصاد خاصة إذا ما تم تنفيذ استراتيجية تطوير البنى التحتية الداعمة للنمو والمساهمة في جعل البلد وجهة سياحية منافسة للدول المجاورة.
يكرس المترشح الفصل الثالث من برنامجه للمجتمع ويدعو إلى هبة مخلصة من الوئام والأخوة وقبول الآخر لكي تترسخ اللحمة الوطنية ويتم القضاء على مخلفات الرق وتضمد جراح الإرث الإنساني، ويقترح في هذا الإطار سياسية جدية لامتصاص التفاوت الناجم عن التمييز الاجتماعي تقوم على جملة من الإجراءات يأتي في صدارتها الالتزام بتنويع آليات التعبير عن التضامن الوطني وتجميع مجمل البرامج الاجتماعية المخصصة للفئات المحتاجة ضمن وكالة دمج اجتماعي ملحقة بالرئاسة إضافة إلى توسيع برنامج التكافل لتحويل النقود واطلاق برنامجين جديدين أحدهما لتحسين المعيشة في التجمعات الفقيرة يدعى "الشيلة" والآخر يسمى "داري" لتوفير السكن الاجتماعي لفائدة سكان الأحياء الهشة في المدن الكبيرة بتكلفة ملائمة، كما يقدم الفصل مقترحات أخرى تتعلق بتمكين النساء ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي الفصل الرابع وهو الأخير يقدم المترشح تصوره للنهوض بالتنمية البشرية ويقترح جملة من الإصلاحات في ميادين التعليم والصحة والتشغيل ويعلن السنوات الخمس القادمة مأمورية لتسريع وتكثيف مستوى أداء السياسات التعليمة والصحية وبرامج التشغيل وفتح آفاق جديدة للشباب ويتعهد بإنشاء مجلس رئاسي لمتابعة السياسات الاجتماعية وتنسيقها.
يرتكز الإصلاح التعليمي المقترح من طرف المترشح على التلميذ الذي يشكل نجاحه هدفا أسمى يتوقف تحقيقه على ضمان اعتراف المجتمع بدور المعلم وتثمين هذا الدور وتعزيزه.
يتعهد المترشح في نفس السياق باكتتاب المزيد من المدرسين وتعزيز قدرات المفتشيات وإدخال الرقمنة ضمن آليات تسيير سجلات التلاميذ والمسارات الوظيفية للمدرسين كما يعد بمراقبة دائمة لمستوى جودة الخدمة التعليمية المقدمة وهي وظيفة سيعهد بها إلى سلطة وطنية سيتم إنشاؤها قريبا لهذا الغرض.
أما فيما يتعلق بقطاع الصحة فإن المترشح يلتزم في برنامجه ببناء منظومة صحية تصل تدريجيا إلى مستوى يمكنها من إمداد المواطن بالخدمات الصحية الأساسية التي ستكون مجانية بالنسبة للأمهات والأطفال كما سيتم التكفل بعلاج الأسر الفقيرة لنصل في النهاية إلى إنشاء نظام للتأمين الصحي الشامل طبقا للنموذج الذي حددته منظمة الصحة العالمية كما سيعمد إلى تعزيز المراقبة الوبائية ووضع حلول لمشكل جودة الأدوية.
ويختم المترشح برنامجه الطموح بإظهار بارقة أمل تتمثل في تعهد بإطلاق برنامج لخلق مائة ألف وظيفة جديدة ووضع سياسات لصالح الشباب كدعم الروابط والأنشطة الشبابية المختلفة وإعادة تأهيل التجهيزات الرياضية ودعم الأكاديميات وترقية المواهب الشابة إضافة إلى استحداث مهرجانات ثقافية جديدة والشروع في إنتاج سينما وطنية جادة وترقية الفنون التقليدية وتثمين الفنون الجميلة بشكل عام وإنشاء جائزة لها باسم رئيس الجمهورية.