الأحد، يونيو 06، 2021

لماذا لا نزرع الخضروات؟

 يتساءل البعض عن الأسباب التي تقف وراء عزوفنا عن زراعة الخضروات في ظل الندرة واضطراب التموين من حين لآخر.

والحال أن الإجابة التي يقدمها علم الاقتصاد تكفي لإضاءة مختلف جوانب المسألة؛ فنحن ببساطة شديدة لا نملك ميزة نسبية لإنتاج سلع زراعية وسيظل استيرادها، في المدى المنظور، أقل كلفة وأكثر ترشيدا للمياه والطاقة..

أحد الاقتصاديين الأمركيين قال مرة: "يمكننا أن نصنع السيارات في دترويت أو نزرعها في ولاية أيوا" أي أنه يمكننا بكل بساطة أن نستعيض عن صناعة السيارات في ديترويت بالزراعة في أيوا ومقايضة المحصول الزراعي بسيارات مستوردة من اليابان مثلا.
يمكن لأحدهم أن يعترض متسائلا: لماذا لا نقوم بالأمرين معا.. نصنع السيارات في دترويت ونزرعها أيضا في ولاية أيوا؟
المنطق الاقتصادي لم يعد يعتبر السؤال السابق وجيها ومشروعا بعد أن حسم الكلاسيكيون الانجليز المسألة منذ عشرات السنين وخاصة مع نظرية ريكاردو حول التجارة الخارجية والتي تقوم على مبدأ الميزة النسبية.
ونقول عن دولة ما أنها تمتلك ميزة نسبية في إنتاج سلعة معينة حين تكون هذه الدولة قادرة على انتاج تلك السلعة بجودة أكبر وسعر أقل مما هو منتج في الدول الأخرى.
فإذا كان المناخ الدافئ في شبه الجزيرة الإيبيرية مناسبا لزراعة الكروم فهذا يعطي إسبانيا ميزة نسبية على بريطانيا في إنتاج عصير العنب، وبالمقابل فإن التطور الصناعي في بريطانيا يتيح لها مع آلات حياكة نوعية ميزة نسبية في مجال النسيج وإنتاج الملابس.
يرى ريكاردو أن الخيار الأفضل لكل دولة هو أن تتخصص في إنتاج السلعة التي تمتلك فيها ميزة نسبية وستحصل من عائدات تصديرها لهذه السلعة على سلع أخرى منتجه في دول تمتلك ميزة نسبية في إنتاجها وبأثمان أرخص.
إذا قمنا بمحاولة إنتاج الخضروات في موريتانيا التي لا تملك ميزة نسبية في إنتاجها فستكون تكلفة الوحدات المنتجة أكبر من تلك المستوردة ولتغطية الفارق في التكلفة سنعمد للاستعانة بعائدات نقتطعها من قطاع آخر هو دون شك قطاع التعدين، وستكون الخسارة كبيرة جدا.
لكن ما لا يعرفه البعض.. هو أننا في الحقيقة ننتج الخضروات.. لكننا نزرعها في حقول غير معهودة.. نزرعها في الصخور الصلدة على الجبال في ازويرات.. ونزرعها أيضا في عمق الأراضي القاحلة في تازيازات.. أما كون موائدنا خالية حاليا من "سلطة الخضار" فتلك "مسألة لوجستية" يمكن لوزارة الخارجية أن تحلها..

عبارات ماكرون الثلاث المحددة للاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل

 تضمنت تصريحات الرئيس الفرنسي، أثناء مشاركته يوم أمس في قمة نواكشوط، ثلاث عبارات مختصرة بدت كما لو أنها قادرة، رغم قصرها، على تحديد الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل.

وتوزعت عبارات ماكرون على ثلاثة مواقف، حيث وردت الأولى في التصريح الذي أدلى به فور وصوله إلى مطار نواكشوط وتبدو موجهة أساسا للأوروبيين، والثانية جاءت متضمنة في خطابه الرسمي أمام الرؤساء في قاعة المؤتمر وهي موجهة للحلفاء في منطقة الساحل لبث روح التفاؤل، أما الثالثة فقد أطلقها في المؤتمر الصحفي المتوج لأعمال القمة وتشكل رسالة تهدئة للرأي العام الفرنسي.

العبارة الأولى: "عندما تلتزم فرنسا تلتزم معها أوروبا": وهي عبارة أراد بها ماكرون الاعتراف للأوروبيين بجهودهم الداعمة التي مكنت فرنسا من بناء وقيادة استراتيجية أوروبية موحدة تجاه منطقة الساحل.

"Quand la France s'engage, l'Europe s'engage à ses côtés"

العبارة الثانية: "الانتصار ممكن في الساحل": يحيل ماكرون في هذه العبارة إلى المكاسب والنتائج الإيجابية المتحققة وخاصة فيما يتعلق بالانتصارات الميدانية لفرنسا ودول المنطقة على الجماعات المسلحة في الأشهر الأخيرة.

"La victoire est possible au Sahel ! "

العبارة الثالثة: "مشاركتنا العسكرية لن تستمر إلى الأبد": وهي عبارة لطمأنة الرأي العام الفرنسي أوردها ماكرون في معرض رده على صحفي فرنسي قلق من رؤية فرنسا متورطة في الساحل "مثل الولايات المتحدة في أفغانستان".

"Notre engagement militaire n'a pas vocation à durer à perpétuité"

تذكرنا عبارات ماكرون الثلاث بخصوص الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل بثلاث عبارات أخرى أكثر شهرة أرسلها يوليوس قيصر لمجلس الشيوخ في روما بعد تحقيقه لأحد انتصاراته الخارجية: "أتيت، رأيت، انتصرت" "veni, vidi, vici".

تعهدات الغزواني !

 صدر برنامج المترشح محمد ولد الغزواني في 48 صفحة من القطع المتوسط مرتبة بين دفتي كتيب أنيق حمل عنوانا مميزا: تعهداتي، وضم في محتواه مقدمة بعنوان الرؤية والالتزام، وأربعة فصول تم تكريس الأول منها للسياسة والثاني للاقتصاد والثالث للمجتمع والرابع للتنمية البشرية.

وقد أشرف المترشح بنفسه على إعلان البرنامج في مهرجان حاشد بقصر المؤتمرات وألقى في هذه المناسبة خطابا مفصلا عرف بخطاب عرض البرنامج ليتيح لنفسه الفرصة كي يشدد أمام مناصريه على بعض التعهدات والوعود الواردة في البرنامج المكتوب كما شكل اللقاء سانحة للجمهور كي يختبروا عن قرب صدق نبرة الرجل فليس من رأى كمن سمع.

جاء الخطاب مفصلا حاملا لنبرة قوية تميزت بالفصاحة وكان حضور الخطيب طاغيا إذ مكنه استخدام الأفعال بصيغة المتكلم من التأثير المباشر في سامعيه فعم الحماس على إيقاع كلماته وشكل الهتاف علامات ترقيم لخطابه. وقد حرص المترشح على استخدام الفعل "أريد" كلازمة تكررت تسع مرات فدل ذلك على قوة إرادته فيما بدا تصميمه صلبا وهو ينطق الأفعال: "أجعل، أعمل، أفرض، أضع، أتخذ، أمنح، أصون..." التي تكررت في الخطاب أكثر من سبع عشرة مرة مسبوقة بحرف السين الدال على مستقبل قريب جدا حتى ليظن السامع أنه سيبدأ مع انبلاج فجر الثالث والعشرين من شهر يونيو.

يبدأ البرنامج بتقديم رؤية إصلاحية عن الدولة وقيمها تتمثل في تعهد بالمأسسة ينطلق من تعزيز المؤسسات وإرساء آليات لتكاملها ضمانا لحسن اضطراد عملها ثم يقترح عقدا سياسيا لأطراف العمل السياسي يوفر ميكانيزمات لنقاش هادئ ودائم بين الموالاة والمعارضة ويضمن إطار تشاور يمكن من استقبال زعيم المعارضة الديمقراطية بشكل منتظم من طرف رئيس الجمهورية.

يولي البرنامج أيضا أهمية بالغة لفصل السلطات ويتعهد في هذا الإطار بتوفير الظروف المناسبة للبرلمان والإدارة والقضاء للعب الأدوار المنوطة بهم في إطار دولة القانون، قبل أن يعمد إلى ربط قيم الجمهورية بالقيم الإسلامية ويمضي متعهدا بالدفاع عن الشريعة الغراء وقيمها السمحة ليقدم بعد ذلك وعودا بدعم المحاظر وعصرنة تسيير الأوقاف.

كما يرصد البرنامج عناية خاصة لسلامة الحوزة الترابية وحماية أمن المواطن ويتعهد في هذا الصدد بمكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات والهجرة السرية. أما فيما يتعلق بالإرهاب وصنوه التطرف فيخصهما باستراتيجية مواجهة مزدوجة تكون عسكرية في المقام الأول وإن تحتم في بعض الحالات أن تكون فكرية أيضا من أجل تفكيك البنية الذهنية للتطرف الصادر عن مرجعيات خارج السيطرة.

يتعهد البرنامج كذلك ببناء دبلوماسية ديناميكية وفعالة تقوم على مبدأ حسن الجوار وتهدف إلى الحفاظ على السلم والأمن، وضمن هذا السياق يقدم المترشح وعدا بتزويد الممثليات الديبلوماسية بطاقم متخصص قادر على جذب المستثمرين الأجانب وتأطير جالياتنا المهاجرة، كما يأخذ على عاتقه مهمة تنشيط المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية بما يضمن أن تضطلع بلادنا بدور رائد ضمن مجموعة الخمس في الساحل، والاتحاد المغاربي، ومنظمة استثمار نهر السنغال... إلخ، أما على المستوى القاري والأممي فسيتواصل السعي إلى تعزيز نفوذنا في الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة...الخ.

يصل الفصل الأول من البرنامج إلى نهايته مع النقطة الخامسة المكرسة للإدارة العامة فيلحظ قصورا كبيرا في أداء المرفق العمومي ويتعهد باتخاذ جملة تدابير هادفة إلى تحسين الإطار المؤسسي والتنظيمي للإدارات من خلال إعادة تحديد مهام الدولة وتكييف الهياكل والإجراءات وتبسيط المساطر والشكليات والرفع من مستوى الأداء، كما يعد بجعل نظام الأجور أكثر تحفيزا ونظام التقاعد أكثر ملاءمة لتطور مستوى المعيشة إضافة إلى استحداث إجراءات متعلقة بمكافحة الرشوة ورصد جائزة للنزاهة والابتكار.

في بداية الفصل الثاني من البرنامج المكرس للاقتصاد يعلن المترشح عن عزمه التصدي للعراقيل التي تقف في وجه بروز اقتصاد منفتح ومتنوع، يخلق فرص العمل والقيمة المضافة، كما يتعهد بانتهاج سياسة تمكن من التحكم في المديونية وتضمن تحقيق نسبة نمو سنوي في حدود 7% وتحافظ على توازن الميزانية وتقلص التضخم إلى أقل من 4% لصيانة القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود.

وسيتم في إطار السياسة الاقتصادية الجديدة التركيز على القطاعات الاقتصادية التي تتمتع فيها بلادنا بمزايا تفضيلية كالزراعة والتنمية الحيوانية والصيد البحري والمعادن والسياحة.

ففي مجال الزراعة سيتم استصلاح آلاف الهكتارات سنويا وشق القنوات وبناء السدود وفي منعطف نهاية المأمورية سنصل إلى مستوى الاكتفاء الذاتي من مادة الأرز وستتوفر لنا إمكانية انتاج القسط الأوفر من احتياجاتنا في مجال القمح والخضروات.

وفي مجال الصيد سيجري إقرار استراتيجية وطنية للتسيير المسؤول وزيادة البنى التحتية للتفريغ المزودة بالخدمات الأساسية أما فيما يتعلق بالقطاع المعدني فالاهتمام منصب على ترقيته بشكل مستدام يراعي المسؤوليات الاجتماعية والمشاغل البيئية، كما يمكن للسياحة كقطاع واعد أن تسهم في ازدهار الاقتصاد خاصة إذا ما تم تنفيذ استراتيجية تطوير البنى التحتية الداعمة للنمو والمساهمة في جعل البلد وجهة سياحية منافسة للدول المجاورة.

يكرس المترشح الفصل الثالث من برنامجه للمجتمع ويدعو إلى هبة مخلصة من الوئام والأخوة وقبول الآخر لكي تترسخ اللحمة الوطنية ويتم القضاء على مخلفات الرق وتضمد جراح الإرث الإنساني، ويقترح في هذا الإطار سياسية جدية لامتصاص التفاوت الناجم عن التمييز الاجتماعي تقوم على جملة من الإجراءات يأتي في صدارتها الالتزام بتنويع آليات التعبير عن التضامن الوطني وتجميع مجمل البرامج الاجتماعية المخصصة للفئات المحتاجة ضمن وكالة دمج اجتماعي ملحقة بالرئاسة إضافة إلى توسيع برنامج التكافل لتحويل النقود واطلاق برنامجين جديدين أحدهما لتحسين المعيشة في التجمعات الفقيرة يدعى "الشيلة" والآخر يسمى "داري" لتوفير السكن الاجتماعي لفائدة سكان الأحياء الهشة في المدن الكبيرة بتكلفة ملائمة، كما يقدم الفصل مقترحات أخرى تتعلق بتمكين النساء ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي الفصل الرابع وهو الأخير يقدم المترشح تصوره للنهوض بالتنمية البشرية ويقترح جملة من الإصلاحات في ميادين التعليم والصحة والتشغيل ويعلن السنوات الخمس القادمة مأمورية لتسريع وتكثيف مستوى أداء السياسات التعليمة والصحية وبرامج التشغيل وفتح آفاق جديدة للشباب ويتعهد بإنشاء مجلس رئاسي لمتابعة السياسات الاجتماعية وتنسيقها.

يرتكز الإصلاح التعليمي المقترح من طرف المترشح على التلميذ الذي يشكل نجاحه هدفا أسمى يتوقف تحقيقه على ضمان اعتراف المجتمع بدور المعلم وتثمين هذا الدور وتعزيزه.

يتعهد المترشح في نفس السياق باكتتاب المزيد من المدرسين وتعزيز قدرات المفتشيات وإدخال الرقمنة ضمن آليات تسيير سجلات التلاميذ والمسارات الوظيفية للمدرسين كما يعد بمراقبة دائمة لمستوى جودة الخدمة التعليمية المقدمة وهي وظيفة سيعهد بها إلى سلطة وطنية سيتم إنشاؤها قريبا لهذا الغرض.

أما فيما يتعلق بقطاع الصحة فإن المترشح يلتزم في برنامجه ببناء منظومة صحية تصل تدريجيا إلى مستوى يمكنها من إمداد المواطن بالخدمات الصحية الأساسية التي ستكون مجانية بالنسبة للأمهات والأطفال كما سيتم التكفل بعلاج الأسر الفقيرة لنصل في النهاية إلى إنشاء نظام للتأمين الصحي الشامل طبقا للنموذج الذي حددته منظمة الصحة العالمية كما سيعمد إلى تعزيز المراقبة الوبائية ووضع حلول لمشكل جودة الأدوية.

ويختم المترشح برنامجه الطموح بإظهار بارقة أمل تتمثل في تعهد بإطلاق برنامج لخلق مائة ألف وظيفة جديدة ووضع سياسات لصالح الشباب كدعم الروابط والأنشطة الشبابية المختلفة وإعادة تأهيل التجهيزات الرياضية ودعم الأكاديميات وترقية المواهب الشابة إضافة إلى استحداث مهرجانات ثقافية جديدة والشروع في إنتاج سينما وطنية جادة وترقية الفنون التقليدية وتثمين الفنون الجميلة بشكل عام وإنشاء جائزة لها باسم رئيس الجمهورية.

الغزونة أو إعادة بناء الاستقطاب السياسي

 تتميز الأنظمة الديمقراطية التعددية عن غيرها من الأنظمة التوليتارية بظاهرة الاستقطاب السياسي بين الموالاة والمعارضة بغض النظر عن شكل هذا الاستقطاب ومستوى شدته الذي يتدرج صعودا وهبوطا حسب طبيعة اللحظة السياسية التي تمر بها الأمة.

وكثيرا ما يشتد الاستقطاب السياسي ليبلغ مستواه الحدي عند طرح القضايا الوطنية الكبرى وأثناء المنافسات الانتخابية الحاسمة، غير أننا نعيش اليوم واقعا مختلفا يحيل إلى تفرد مشهود، فلأول مرة، ونحن نخوض غمار انتخابات رئاسية مصيرية، نشهد تراجعا في حدة الاستقطاب السياسي وترتسم أمامنا في أفق الحدث بيئة انتخابية يسودها مزاج سياسي معتدل.

يطلق الكاتب الموريتاني البارز أبو العباس أبرهام على لحظة التفرد هذه، بزخمها السياسي الجديد، مصطلح الغزونة، ويرجعها ببساطة إلى إعادة تموضع لأغلبيات تاريخية كانت تغرد خارج سربها ثم وجدت فرصة سانحة للانخراط مجددا في تشكيله؛ غير أن كاتب مقال: "أمر الولي الغزواني" سيقتصر في تعريفه للغزونة على ذكر نتائجها في حين أن المطلوب هو تفسيرها بإيراد أسبابها وتسليط الضوء على الآليات الكامنة وراءها كظاهرة أي فعل الغزونة نفسه.

ترجع نظرة الكاتب الاجتزائية للظاهرة إلى مقاربة سوسيوسياسية تنزع إلى التبسيط وتحاول أن تفسر الظواهر بإيهام القارئ أنها بديهية وطبيعية، فالغزونة حسب هذا المنطق لا تعدو كونها تشكيل لجماعات من الأغلبية كانت في منفاها السياسي تحن إلى منزلها القديم ثم وجدت طريقا جديدا للولوج إلى كنفه.

إن فهم ظاهرة الغزونة يحتم علينا اعتماد مقاربة جديدة تتوسل أدوات التحليل المنظومي عند ديفيد إيستون لتشريح النظام السياسي ورصد الظاهرة في أبعادها وتجلياتها المتعددة كي لا نقف عند خلاصات متسرعة تكتفي بوصف النتائج دون ذكر الأسباب لتقرر في النهاية بعض الحذلقات القائلة إن الغزواني نفسه ليس أهم ما في الغزونة.

إذا نحن فتشنا في بنية النظام السياسي الموريتاني بمدخلاته ومخرجاته وقيمه فسنجد أن المتغير الوحيد المستجد هو، دون شك، ظاهرة الغزونة التي أطلقت دينامية سياسية جديدة أضعفت حدة الاستقطاب السياسي الشديدة وأعادت التوازن حول مركز ثقل ثابت وخلقت قيما وقواعد جديدة لإدارة النظام السياسي... فكيف أمكن لهذا التحول السريع أن يحدث؟

لقد كان لخطاب الترشح أبعد الأثر في هذا التحول حين وضع قواعد وأرسى قيما أعادت الحيوية للنظام السياسي ومكنته من استقبال مدخلات جديدة تمثلت في موجات هائلة من المناصرين لتتحول المطالب المتراكمة التي كانت تهدد بخنق سير العملية السياسية إلى دعامات يمكن توظيفها للفوز بالانتخابات والتأسيس لما بعدها.

تمثلت أهم قيمة سياسية جديدة حملها خطاب الترشح في التأكيد على أن العملية السياسية لن تكون بعد الآن لعبة صفرية: إما أن تفوز بها أو تخسر كل شيء؛ إذ تم رصد جائزة ترضية جديدة تمثلت في تعهد ذي معنى بإقامة أسس العدل لضمان الحقوق بغض النظر عن الانتماءات السياسية.

حمل خطاب الترشح، أيضا، ملامح مشروع وطني ينشد انجاز تحولات " فما وصلنا إليه اليوم ليس نهاية المطاف، وما زال أمامنا الكثير مما ينبغي أن ينجز" لذلك تعهد المرشح بتحقيق "طموحنا المشروع في بناء مجتمع عصري" ومضى متسلحا بمنطق مؤسساتي مؤمن بالعمل التراكمي ليعترف لكل عهد بإنجازاته وفق نظرة تاريخية منصفة تضع الوطن على السكة الصحيحة.. سكة التصالح مع الذات والتاريخ.

خلاصة القول أن جملة من العوامل والمتغيرات، بعضها ذاتي يتمثل في السجايا الشخصية للمترشح والبعض الآخر موضوعي يتعلق بمشروعه الوطني الجديد، قد تضافرت لتنصهر جميعها في بيئة النظام السياسي مشكلة ما يعرف بالغزونة التي هي مصطلح جديد دخل القاموس السياسي للبلد مؤخرا ليطلق على جملة من التمظهرات والتجليات السياسية الدالة على حراك عابر للتشكيلات السياسية وشبه إجماعي داعم للمرشح محمد ولد الغزواني.

الجمعة، فبراير 09، 2007

مستويات التعقيد في تحليل ميول الناخب الموريتاني

أظهر الاستقطاب و الفرز السياسي في المرحلة الانتقالية ، وخاصة في الفترة التي سبقت الانتخابات البلدية والتشريعية ، صعوبة دراسة الميول السياسية و التفضيلات الانتخابية للموريتانيين نتيجة تعدد مستويات التعقيد و تشابك المتغيرات المستقلة التي تتحكم في الواقع السياسي الموريتاني. و قد أدى تعدد دوائر الانتماء الشبيهة بالصناديق الصينية المتدرجة في الكبر إلى تعقيدات بالغة لدى محاولة تحديد الميول المحتملة للناخب الموريتاني نتيجة تفاوت قوة هذه الانتماءات ( قبلية ، جهوية ، إثنية / حزبية ، أيديولوجية) من شخص لآخر من جهة و تأثرها بمخرجات النظام من جهة أخرى. و كان من شأن شائعات مجهولة المصدر أو تهويلات يطلقها زعماء سياسيون يتهمون المجلس العسكري بدعم أحد الأطراف أن تؤثر بعمق في خيارات ناخبين هم أشبه ما يكونون بمراهنين يقفون عند نهاية الحلبة في وضعية استعداد لجني الأرباح فور نهاية السباق. ففي الثقافة السياسية الموريتانية لا يعني انتماؤنا لحزب سياسي أننا ، بالضرورة ، نصوت لبرنامجه السياسي بقدر ما يؤشر إلى الثقة التي نضعها في توقعاتنا لما يمكن لهذا الحزب أن يحصده من مقاعد في الانتخابات البرلمانية. عاجلا أو آجلا ، سيؤدي هذا الأمر ، أي الولع بدعم التشكيلات السياسية القوية إلى انحسار و تراجع عدد الأحزاب السياسية في البلاد ، و التي لا تدل كثرتها الحالية على تنوع الخيارات أو شدة الاستقطاب في الحياة السياسية الموريتانية بقدر ما تدل على توق أصحاب هذه الأحزاب في أغلبهم إلى نيل الامتيازات المصاحبة للترخيص و إحراز ألقاب مميزة في مجتمع حديث العهد بالتعددية الحزبية. عشية الثالث من أغسطس عام 2005 لم يجد الحزب الجمهوري بـداً من إعادة النظر في دوره و هيكليته و برنامجه على ضوء انسحاب و استقالة أعداد هائلة من المنتسبين القلقين من تراجع نفوذ الحزب في المشهد السياسي بعد الإطاحة بالدكتاتور. و الواقع أنه لم توجد ، حتى ذلك الحين ، تشكيلة سياسية قوية إلى جانب حزب تكتل القوى الديمقراطية يمكنها أن تدغدغ أحلام و طموحات الراغبين في إحراز نصر سياسي يحقق زهوا لائقا و يعود بامتيازات شخصية ، لذلك سرعان ما أصبح الحزب المذكور قبلة أفواج من الوصوليين و رهانهم المفضل قبل أن يتركوه لينضموا للمستقلين الجدد بعدما تردد في أكثر من مناسبة خبر دعمهم من طرف المجلس العسكري. إن أولى المعضلات التي يواجهها المحللون السياسيون للشأن الموريتاني هي أن توقعاتهم نفسها تؤثر في مجرى الأحداث بطريقة تشبه ، في سرعتها و زخمها ، ما هو معروف في الأسواق المالية : فحين يتوقع محلل البورصة ارتفاعا في أسعار أسهم شركة معينة يؤدي ذلك ، سواء أكان صادقا أم كاذبا ، إلى زيادة سريعة في الطلب على الأسهم ما يقود ، حتما ، إلى ارتفاع أسعارها. لقد رأينا أمورا مماثلة تحدث في المشهد السياسي الموريتاني ، حيث أدت السمعة التي أحرزها حزب تكتل القوى الديمقراطية في الأوساط الإعلامية كأحد أكبر القوى المرشحة للفوز بالاستحقاقات إلى تدفقات متتالية من المنتسبين الجدد الذين ستحملهم توقعات لاحقة إلى صفوف المستقلين ليستحق حزب التكتل ، بعد ذلك و بجدارة ، لقب " الحزب المصفاة ". إن سرعة تغير القناعات و تفشي ظاهرة "الحربائية السياسية" جعلت أكثر المحللين السياسيين يكفون عن التنبؤ حفاظا على مصداقيتهم و يقتصرون في عملهم على الوصف و التفسير في ظل غياب أطر تحليل إرشادية موثوقة. تتمثل المعضلة الثانية في صعوبة التنبؤ بنتائج الانتخابات استنادا إلى معايير موضوعية تتعلق بشعبية الحزب أو جاذبية برنامجه السياسي إذا لم تترافق تلك المعطيات مع حسن اختيار الحزب لمرشحيه المحليين و الوطنيين ، ذلك أن الناخب الموريتاني يعطي صوته لأشخاص أكثر مما يقترع لصالح حزب أو تشكيلة سياسية ، و هو في النهاية مستعد لمعاقبة الأحزاب حين لا توفق في قراءة الحساسيات المحلية. لا شك أن كلا من الثقافة السياسية غير المدنية و البنية الاجتماعية العشائرية تلعبان دورا مهما في صوغ التفضيلات الانتخابية للمواطن الموريتاني من خلال ثلاثة عوامل أساسية ، نرتبها ، فيما يلي ، حسب قوة تأثيرها: عامل توقع الفوز : يميل الناخب الموريتاني ،عادة ، إلى التضامن مع التشكيلات السياسية التي يتوقع فوزها في الانتخابات ، ويساعدنا هذا العامل في فهم السر الكامن وراء الموجات المتلاحقة من المنتسبين ، قبيل الانتخابات البلدية و التشريعية ، لكل من تجمع المستقلين وحزب تكتل القوى الديمقراطية . العامل القبلي و الجهوي : يؤثر الانتماء القبلي و الجهوي في خيارات الناخبين الموريتانيين ويدفعهم إلى الاقتراع لصالح أحزاب يقودها أفراد من قبائلهم أو ولاياتهم ، ويقدم هذا العامل تفسيرا جزئيا لدوافع دعم ناخبي ولاية اترارزة لحزب تكتل القوى الديمقراطي و مؤازرة أهالي ولاية الحوض الغربي لحزب حاتم و تعاطف سكان ولاية تكانت مع كل من حزبي التجديد الديموقراطي و تجمع قوى التقدم العامل الإيديولوجي : وهو أضعف العوامل الثلاثة ولا يكاد يلحظ تأثيره إلا لدى بعض الفئات المدينية الداعمة لأحزاب قومية صغيرة ، و إن كان يبرز في إحدى تجلياته على شكل قوة تعبوية هائلة كثيرا ما استفاد منها إسلاميو موريتانيا. أما العوامل الموضوعية التي يقدمها علم الاجتماع الانتخابي فكانت غائبة أو غير فعالة في توجيه ميول الناخب الموريتاني و رسم تفضيلاته السياسية في الانتخابات البلدية و التشريعية الأخيرة ، و لم يلحظ ميل عام لدى أي فئة اجتماعية يميزها عن بقية الفئات الاجتماعية الأخرى ، كما أن نتائج الانتخابات لم توفر معطيات قوية لتمييز نزوع خاص لدى الناخبين الريفيين يختلف كثيرا عن تفضيلات مواطنيهم من سكان المدن الكبرى. وسيبقى متعذرا ، في ظل غياب معطيات إحصائية دقيقة ، تقدير قوة تأثير عامل المستوى المعيشي على الخيارات الانتخابية حتى و إن تعلق الأمر بمدينة تمتاز بفوارق صارخة بين مقاطعاتها كالعاصمة انواكشوط إذ يمكن إرجاع النزوع المشترك للمقاطعات الثلاث الفقيرة "الرياض ، الدائرة الخامسة و السادسة" إلى أسباب اجتماعية و تاريخية أكثر منها اقتصادية. كذلك ، لم تقدم نتائج الانتخابات دليلا على تأثير نوع النشاط الاقتصادي الممارس على خيارات الناخبين ، وعند البحث عن قواسم مشتركة لدى المقترعين في الولايات الزراعية نخرج بخيبة أمل و دون أن نعثر على نقاط ارتكاز قوية لفرضياتنا ، بل بالأحرى نفاجأ إذ نقف على ميول متشابهة لتجمعات ريفية رعوية مع أخرى مدينية "صناعية". و مهما يكن من أمر فإن النتيجة النهائية التي سيقودنا إليها تحليلنا لنتائج الانتخابات البلدية و البرلمانية لن تكون شيئا آخر غير اعترافنا بصعوبة رسم خريطة انتخابية موريتانية تصمد دون تعديلات شاملة عند أول استحقاقات وطنية.

الثقافة السياسية الموريتانية ومحن الدولة الثلاث

لا ينطبق أي من نماذج الثقافة السياسية كما صنفها عالم السياسة الأمريكي جبريل ألموند على الثقافة السياسية الموريتانية أو قل إن النماذج الثلاثة تتداخل و تتعايش مع بعضها البعض في نفس الوقت و المواطنون أنفسهم في حراك دائم من نموذج إلى أخر حسب الظروف المحفزة لمواقفهم .
أدى اتساع البلد و ترامي أطرافه مع غياب جزئي لشبكة مواصلات متقدمة و تفشي الأمية إلى انتشار نمط الثقافة السياسية المحدودة في المناطق المعزولة حيث لا توجد لدى الفرد معلومات كافية عن النظام السياسي ما يؤدي إلى ضعف العلاقة بينه و بين النسق السياسي ، و في مثل هذا النمط من الثقافة السياسية كل ما يعيه الفرد بصورة غير محددة هو وجود حكومة مركزية دون أن تتأثر حياته اليومية بقراراتها و الأشخاص ذوي الثقافة السياسية المحدودة يميلون إلى الخلط بين النظام و الدولة ، كما أنهم يعجزون عن التمييز بين الحزب الحاكم و هياكل الإدارة المدنية لذلك يسهل استغلالهم من طرف السلطات المحلية في عملية التعبئة لصالح النظام التسلطي و هذا ما حدث بالفعل إبان الحقبة الطائعية السوداء .
من جهة أخرى أدى ارتكاز الولاءات و الانتماءات السياسية على العلاقات العشائرية و القبلية إلى تفشي نمط الثقافة السياسية التابعة ( الرعوية ) حيث يرتبط المواطنون مع ثلة قليلة من السياسيين بعلاقات قائمة على التبعية و الولاء الشخصي و مستندة في جوهرها العميق على صلات القربى و العرف و الدين ، و قد قامت الأنظمة المتتالية باستغلال شبكات الراعي – الرعية من أجل عمليات الضبط و التطويع و أفردت حيزاً كبيراً في المشهد السياسي لأدوار قبلية مما أوجد المحنة الموريتانية الأولى : المجتمع الأهلي ضد المجتمع المدنيغير أن تداعيات التحديث السياسي المتمثل في الدمقرطة و التعددية سرعان ما أفرزت نمطاً ثالثاُ من الثقافة السياسية يسهم في جعل اتجاهات المواطنين إيجابية نحو الموضوعات السياسية و يعزز إيمانهم بالقدرة على المساهمة في العملية السياسية ، إنه نمط الثقافة السياسية المشاركة الذي يعزز البناء الديمقراطي في أي مجتمع من المجتمعات بشرط أن لا يتعدى حدوده المحمودة فإذا نشط جميع الناس سياسيا و بشكل مستمر فإنهم سيسوقون البلد حتما إلى شفير الهاوية .
إذا استثنينا المجتمعات المحلية المعزولة في أقاصي البلد و أولئك الذي لم يشفوا تماما من داء الأمية فإن سكان المدن الكبرى في موريتانيا و هم غالبية ساحقة ينشطون في السياسة بشكل مبالغ فيه ، و بالنظر إلى أن المواطن العادي لا يكسب عادة عيشه من السياسة مما يجعلنا نتوقع أن وقته المخصص لها سيكون محدودا و هو أمر ينطبق على كل الديمقراطيات العتيدة ، فإن ما يمارسه الناس في موريتانيا ليس السياسة بمعناها المتعارف عليه بل هي السياسة وفق تحديد جديد نختصره في الجملة التالية : " المشاركة في الشأن العام بمقتضى المصلحة الشخصية " و يجب أن ننوه هنا إلى أمر جوهري و هو أن هذه القضية لا ترجع فقط إلى غياب الأخلاق المدنية كما أن إرجاعها من قبل أغلب الباحثين إلى العداء التاريخي بين المجتمع و السلطة الاستعمارية هو أمر زائف و مغلوط فما كان الأمر ليختلف في ديمقراطيات عريقة لو أن اللعبة السياسية فيها تأسست على محاصصة قبلية مترافقة مع غياب للمحاسبة القانونية و الشعبية .
و في ظل الفساد المستشري لا يجد السياسيون الموريتانيون ما يمنعهم من ممارسة رياضتهم المفضلة : هدر و نهب المال العام ، و هنا نضع يدنا على المحنة الموريتانية الثانية : النظام ضد الدولة . لا تنبع المشكلة في موريتانيا من تعدد الثقافات السياسية فتصنيفات " جابريل ألموند " وضعت لضرورات تحليلية و من أجل عقد مقارنات عبر قومية بين الثقافات المختلفة و لا وجود لمجتمع واحدي الثقافة السياسية و إن كانت المجتمعات تتفاوت حسب غلبة نموذج معين على بقية النماذج الثقافية الأخرى مثلما تتفاوت في درجة التشوه الذي يصيب ثقافتها السياسية و كنا قد رأينا عيوب الثقافة السياسية المشاركة في موريتانيا و كيف أنها تقف عقبة كأداء في وجه البناء الديمقراطي على الرغم من تعارض ذلك مع نتائج الأبحاث التي تم التوصل إليها في مجتمعات أخرى .
تكمن الأزمة في وجود ثقافات سياسية متعارضة ، فالمواطنون منقسمون بحدة على بعضهم و غالباً ما يدور انقسامهم حول شرعية النظام و ماهية المشاكل الرئيسية و طريقة حلها . و حتى السياسيون الذين تفترض فيهم البراجماتية كثيراً ما يفشلون في تنسيق جهودهم نتيجة شدة التنافر و الاستقطاب بين الأحزاب على الرغم من تقارب برامجها ، و هذا عائد جزئياً إلى النزاعات الشخصية و عداوات الكار "المهنة " التي أوجدت تربة خصبة لإرساء " نظام حزبي متنازع " يتألف من أعداد متزايدة من الأحزاب المتباعدة في مواقفها من القضايا العامة و لا توجد بينها ثقة و متنافرة مع بعضها و مع النظام السياسي ، و هذا ما ولد التراشق الحالي في لعبة ( بونغ بونغ ) بين الحكومة الانتقالية و الأحزاب السياسية ، و على الرغم من أن هذه الأخيرة قد استشعرت خطر الترشيحات المستقلة منذ مدة فإنها لم تحرك ساكناً و تكفينا قراءة سريعة للوائح المترشحة للانتخابات البلدية للتدليل على صدق ذلك ، فمن بين 1264 لائحة لا يوجد أكثر من 25 إتلافاً ( انظر موقع الأخبار ) ،و هي نتيجة تنسجم تماما مع ميل الأحزاب الموريتانية إلى الصراع و التناحر عوض الحوار و المشاركة.
إن تاريخ الأحزاب السياسية في موريتانيا ليس سباقاً على درب المصلحة العامة أو تزاحماً بالأكتاف إلى سدة السلطة بل هو سعي جاد و حثيث للكل من أجل إقصاء الكل و في مسيرة العبث هذه يضعون موريتانيا في مواجهة محنتها الثالثة : المعارضة ضد المعارضة .
يضاف إلى غياب الحوار و المشاركة تجذر مفهوم " الشخصنة " في الثقافة السياسية الموريتانية فالنظام السياسي يعرف بوجوهه البارزة و الأحزاب تضاف إلى أسماء قادتها و في حالة تغير شاغلي الكراسي السياسية و الإدارية يبادر المعينون الجدد إلى الشطب و الإلغاء بدل الاستفادة من تجارب من سبقوهم و المراكمة عليها من أجل إرساء تقاليد مهنية بناءة ، و الواقع أنه يصعب الكلام عن تنمية حقيقية في بلد لا يؤمن مواطنوه بالمنطق المؤسساتي و سيكون من المبكر جدا الحديث عن ثقافة سياسية جديدة تشكل رافعة للتحديث السياسي في ظل تقاعس الهيئات المعنية من أسرة و مدرسة إلى إعلام و أحزاب سياسية عن وضع أسس تنشئة سياسية جديدة تتناسب مع التطورات الجارية على الصعد الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية .

السبت، أبريل 08، 2006

شباب يخوضون في السياسة*

في بداية هذا الحديث لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر والامتنان إلى القائمين على غرفة الحوار الالكتروني "المشهد الموريتاني" وأخص بالذكر الأستاذ الفاضل محمد عبد الله ولد إسلم على إتاحة هذا المنبر لنقاش وتدارس الأوضاع الموريتانية، وقبل أن أدخل في صلب الموضوع لأقدم لكم لمحة سريعة عن مبادرة الشباب الموريتاني للحوار والبناء، دعوني، أولاً، أعبر لكم عن مدى فخري واعتزازي بأن أكون طرفاً في حوار شبابي يبحث هموم الوطن وأن أجلس في حلقة تضم شباباً آخرين من خارج مبادرتنا، هم من جيلنا لكنهم منتظمون في حزب التكتل، وإنها لفرصة لا تعوض أن نفهم منهم، اليوم، سر صبرهم وتفاؤلهم بالطبقة السياسية الموريتانية من الأجيال المخضرمة، ونعرف منهم أكثر من ذلك أسباب الثقة التي مازال الشباب الموريتانيون يضعونها في الأحزاب السياسية كوسيلة تغيير مجتمعية يمكن أن تخدم الوطن في المرحلة الراهنة. ولعلنا نتفق جميعا على ضرورة إصلاح الثقافة السياسية الموريتانية المنحرفة والقائمة على أسس من الأنانية والبراغماتية واللامبالاة واللامسؤولية، فالكل أصبح، اليوم يرفع شعار: أنا ومن بعدي الطوفان ولا أحد يلتفت إلى الهاوية التي ننحدر إليها، أما من رحم ربك فيحاول جاهداً الوصول إلى السلطة كي يقوم بعملية التغيير "من فوق" وبعصا سحرية....يعتقد أن القرارات والمواعظ والنيات الحسنة تكفي وحدها ، لكن هيهات. وفي سعيه إلى السلطة يحاول الاستفادة من فساد المجتمع ويذكي نار القبلية السياسية والجهوية البغيضة. إن سعي الأحزاب من أجل الوصول إلى السلطة أمر مشروع ولعلها وجدت أصلاً من أجل ذلك، كما أن الطموح الشخصي في عالم السياسة مقبول ومفهوم، أما أن يقدم التعطش للسلطة والطموح الجامح على تدارك وإنقاذ مجتمع يتحلل ووطن ينهار فتلك مسألة يجب التوقف عندها، ولأن الأمر لم يعد يحتمل التأجيل، ولأن الصمت يصبح أشبه ما يكون بالخيانة، قمنا في مبادرة الشباب الموريتاني للحوار والبناء بوضع نقطة النهاية وكتابة سطر جديد هو الأول لكنه ليس الأخير فأجيال وأجيال سوف تضيف إليه بحبرها الخاص وفي النهاية لابد أن يستقيم الخط ، ذلك الخط. لقد رأينا كيف قامت الأحزاب السياسية غداة تغيير الثالث من أغشت بتركيز جهودها على تقاسم تركة الحزب الجمهوري وكان صراعها من الضراوة بحيث أنساها واجبها الوطني تجاه بلد دخل لتوه مرحلة انتقالية حساسة. لقد ترك السياسيون مصيرنا ومصيرهم لتقدير القادة العسكريين، ولكم أن تدركوا أي أفق أشرعوا عليه مستقبلنا. إن الأحزاب السياسية التي طالما شاكست دون جدوى النظام البائد وقاطعت الانتخابات أكثر من مرة لضرب شرعيته فوتت ببساطة فرصة سانحة للضغط والتلويح بمقاطعة استحقاقات المرحلة الانتقالية من أجل انتزاع مكاسب لها وللوطن من الحكام الجدد الذين كانوا يرزحون وقتها تحت ضغوط إقليمية ودولية هائلة. في الأيام التشاورية تم سوقهم فرادى، فلم نسمع ورقة مشتركة مع أن مصلحتهم تستدعي ذلك، وكانت مطالبهم قنوعة واكتفوا بالقليل، أما تطلعاتهم وراؤهم فلم تتخط حاجز السنتين، موعد الانتخابات الرئاسية. الاعتراض الوحيد المسجل في المرحلة الانتقالية من أحزابنا العتيدة حول اللجنة الوطنية للانتخابات، جاء شكلياً واقتصر على الأشخاص، أشخاص بعينهم، لا على تفاصيل قرار تشكيل اللجنة أو صلاحياتها أو آليات عملها فذاك أمر مؤسسي قد يربك الأجيال القادمة، أما ما يهم الآن فهو الوصول إلى السلطة. ومن بين أحزابنا التي تربو على الثلاثين قام حزب واحد بالتصدي للأوضاع الراهنة وانتقاد أداء الحكومة الانتقالية في مناسبة أو اثنتين أما بقية الأحزاب فقد جانبت الصواب واختارت كسب ود العسكريين ولعلها أرادت بذلك الحصول على دعمهم في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. في خضم هذا الواقع المأزوم تبلورت فكرة مبادرة الشباب الموريتاني للحوار والبناء كردة فعل على الإخفاقات المزمنة لسياسيينا، وكفعل هادف للإصلاح المجتمعي والبناء المؤسساتي لدولتنا الفتية، ولأن الأحزاب السياسية لم تقدم تحليلاً يسبر الواقع ولم تطرح رؤية تستشرف المستقبل أردنا في مبادرة الشباب تحمل المسؤوليات التاريخية ولبينا نداء الواجب الوطني. إن ما تحتاجه موريتانيا في المرحلة الراهنة، وفق تصورنا، هو إعادة تأهيل بنيوي للثقافة السياسية السائدة وتنقية القيم المجتمعية من رواسب وشوائب الحقبة الطائعية السوداء تمهيداً لتأسيس أخلاق مدنية قائمة على علاقات موضوعية يضبطها القانون مع إرساء عقد اجتماعي جديد ينظم علاقة الحكام بالمحكومين على أسس دستورية تحل مشكلة المشروعية . إننا نؤسس لقيام ثورة مجتمعية تغييرية تعصف بالفساد وتطيح بأركانه، ثورة تنبع من النخب والقوى الشابة والفئات ذات المصلحة في التغيير، ثورة تحمل معها حراكاً اجتماعياً وسياسياً جديداً، ومن هنا يبرز جلياً تفرد الحلول التي نطرحها عن تلك التي تقدمها الأحزاب السياسية فإذا كانت هذه الأخيرة تتعامل مع المواطنين كناخبين يقترعون في يوم محدد كي يوصلوها إلى السلطة فإننا على خلاف ذلك نبني علاقة تشارك مع المواطنين كي يؤازرونا يداً بيد من أجل الحوار والبناء، ونحن، ببساطة شديدة، نؤمن بالتغيير النابع من القاعدة الشعبية أكثر من ذلك الصادر من قمة الهرم السلطوي على شكل قرارات تبقى حبراً على ورق، والأولوية لدينا هي لتغيير النفوس قبل النصوص ونهجنا المتبع هو الإخلاص في العمل وتقديم القدوة بدل الاكتفاء بإلقاء الدروس. سيتركز عملنا في الفترة القادمة، على الخدمة المباشرة للمجتمع والوطن بدل السعي نحو تحقيق مكاسب سياسية هزيلة، ولأن هدفنا نبيل ويلقى صدى حقيقي وعميق لدى الموريتانيين الغيورين على مستقبل بلادهم فستلتحق بنا أعداد كبيرة من المخلصين الذين لن يقفوا محايدين إزاء مصلحة موريتانيا وسيقولون، دون شك، كلمتهم في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. إن الهدف المحوري لكل البرامج السياسية هو دون شك تحقيق التنمية بمفهومها العام وكثيراً ما تصاغ هذه البرامج بمثالية لأنها خدع كاذبة تسعى للإرضاء المؤقت كما الوعود الانتخابية، والسياسي الموريتاني إذا اجتاز اختبار تذكر بعض فقرات برنامجه الحزبي فإنه يتعثر ويفشل دوماً في ما هو جوهري من قبيل تحديد بعض المفاهيم التأسيسية للتخطيط السياسي البعيد المدى، فهو لا يملك رؤية واضحة لمفهوم المصلحة الوطنية لذلك يعجز بالنتيجة عن صياغة إطار محدد لمفهوم الأمن القومي الموريتاني بمعناه الواسع. تظهر القراءة المتأنية والناقدة لبرامج الأحزاب السياسية الموريتانية اجتزاءها للحلول فهذه البرامج لا ترصد الروابط والعلائق الخفية بين أبعاد التنمية وتقدم خططاً متنافرة لكل من الصحة والتعليم والزراعة والإصلاح الاجتماعي الخ، وهي تتأسس على مفهوم التنمية الشاملة الذي أصبح متجاوزاً واستبدل حديثاً بمفهوم التنمية المستدامة التي تعني تنمية الناس بواسطة الناس ومن أجل الناس، فلم يعد مقبولاً اليوم استهلاك الاحتياطيات دفعة واحدة وتوزيعها على القطاعات الخدمية من أجل تحقيق تنمية شاملة لا تراعي متطلبات التنمية المستدامة. يسعى برنامج المبادرة التنموي إلى الاستفادة من هذه المفاهيم وتطبيقها على الواقع الموريتاني ويريد توظيف الثروات غير المتجددة من أجل استحداث ثروات باقية ومستدامة تسهم في وضع أسس مجتمع المعرفة وذلك بالتركيز على الرفع من سوية التعليم والبحث العلمي، وصدقوني عندما نصل إلى المستوى العلمي والمعرفي لدول بدأت نهضتها مأخرا فسنحصل على الباقي علاوة. أصل الآن، إلى النقطة الأخيرة في حديثي هذا، وهي عن الديمقراطية كمحتوى لا كآلية وسأركز على مفهوم معين لأهميته القصوى ألا وهو مفهوم المساواة الذي طرأ عليه الكثير من التحسينات المستخلصة من الخبرات التاريخية لأمم عديدة، فبعد فشل التجارب الاشتراكية في تحقيق المساواة الفعلية والتي قيل إنها كانت مساواة في الفقر وجد أيضاً أن المساواة القانونية في الأنظمة الليبرالية ناقصة وعرجاء في ظل التفاوت الذي جرته ممارسات تاريخية على بعض الفئات والشرائح الاجتماعية، لذلك بدأ الكلام حديثاً عن فكرة "التضمينية" التي تعني تضمين مفهوم المساواة بعداً جديداً يدعى "التمكين" ولأضرب مثالاً على ذلك بوضعية المرأة حتى لا أسوق أمثلة أخرى، فلا يكفي فقط فتح باب المساواة القانونية بين الرجل والمرأة دون أن نمكن المرأة أي أن نميزها إيجابياً حتى تستطيع التغلب على رواسب الظلم التاريخي الذي لحق بها. وأخيراً، وقبل أن أحيل إليكم الميكروفون، دعوني، إخوتي أخواتي، أقدم لكم تعريفي الخاص لمبادرة الشباب الموريتاني للحوار والبناء والتي أجدها رابطة مدنية تعنى بشؤون التنمية السياسية والتأهيل السياسي من أجل مشاركة عريضة لشرائح واسعة من المجتمع الموريتاني في الشأن العام والمساهمة في عملية البناء الوطني. ............................................................ * ورقة قدمت لندوة الحوار في الغرفة الصوتية للمشهد الموريتاني على البالتوك

الخميس، مارس 30، 2006

لنلق حجرا في مياهنا الآسنة

دخلت موريتانيا الحبيبة فجر الثالث من أغسطس 2005 مرحلة انتقالية حاسمة ستحدد مستقبلها لعقود قادمة بشكل لا رجعة فيه ، وككل الانعطافات الكبرى في تاريخ الأمم يبرز اليوم ، في الساحة الداخلية ، صراع محموم لامتلاك سيف المصير بين من يريد لموريتانيا أن تقطع مع عهود التخلف و الظلام و بين من يترصد أقرب سانحة لذبح الأمل الوليد. إن الفرصة الثرية التي يقدمها التاريخ لأبناء موريتانيا هي ، دون شك ، أسمى و أثمن من أن يترك تقديرها لطبقة سياسية فاسدة ، جلبت رؤاها المشؤومة الخراب لنسيج و لحمة مجتمعنا الأبي ، و اغتالت عقلياتها القاصرة و قيمها الفاسدة روح موريتانيا المعطاء. لقد وضع عقم التصورات المقدمة في الأيام التشاورية نقطة عند نهاية سطور كتبوها بحبر من دم و عرق و أنين الآخرين ، و هم اليوم بأدائهم المتراخي و المشلول إنما يفتحون الباب لقوانا الحية و الشابة كي تعتلي محرابا طالما دنسوه. يمارسون السياسة بروح مافوية ، يخرجون من عباءة المبادئ و الأيديولوجيا ليتبادلوا أدوار الولاء و المعارضة و ليقتسموا في الخفاء كعكة عجنت بدم الوطن المهدور . و لا همّ أن تضيع المعايير و تلتبس الأمور فهذا عروبي يدافع عن فرنسة التعليم ، و ذاك اسلاموي يتغنى بقانون المساجد ، أما يساري هذا الزمان فابحث عنه على يمين صورة رجال الأعمال. ينمقون ديباجات دساتير أحزابهم بالكلام المعسول و يودعون البرامج الطموحة الورق الصقيل و لا أحد منهم يعرف ما يميز حزبه عن أحزاب الآخرين ، و في حمى سباقهم المجنون يجروننا إلى شفير هاوية جشعهم الرهيب. لم تعد الصدوع الأفقية المحددة للطبقات الاجتماعية ذات مغزى كبير في مجتمع ترتفع فيه ، يوميا ، جدران العزل العمودية الصماء و يتمترس أبناؤه في خنادق الاصطفاف الجهوي و تصر طبقته السياسية على أن تجعل من أحزابه السياسية رقما يضاهي عدد قبائله . لقد بنوا قاعدة استقطاباتهم على القبيلة و الجهة ، و بدل أن يضعوا أصابعهم على موطن الداء جلسوا يتبادلون ، فيما بينهم ، الإشارات ، فالسياسة في عرفهم هي ، قبل أي شيء آخر ، صراع إقصائي بلا ميثاق شرف و حرب كل ضد كل ، تتبدد فيها الجهود و لا يبقى سوى الصراخ. إن مجتمعا لا تسمو طبقته السياسية إلى مستوى الاستحقاقات الوطنية ينضج شبابه قبل الأوان ، و ليس الأمر قضية صراع أجيال إنما هي روح الوطن تصطفي الأصلح من أبنائه كي يوقفوا الانحدار. هيّ ذي موريتانيا المغدورة تستند شامخة على سواعد أبناءها الشباب المنتظمين في مبادرتهم من أجل الحوار و البناء ليعطوا أملا بنسغ جديد يغذي دوحة تُظل الجميع و ليضعوا على أفق بلا أنواء شمسا تنير بسمة مستقبل قريب تنتفي فيه أشكال الفساد الاستغلال. من كل أركان الوطن ، من منافيهم البعيدة ، من كل المسارب و المشارب ها هم يقلعون عن أفيون الأيديولوجيا ، و بتصميم لا يلين ينسجون أواصر إخائهم العظيم و يرسمون وجها لموريتانيا لن يخيف الورثة اللاحقين. و ببرنامج عملهم يضعون حجر الزاوية لثقافة سياسية جديدة لا تستند إلى مفاهيم الأبوية و الولاء الأعمى ، ثقافة تقتصر فيها قوة الحضور السياسي للآباء المسنين على وزنهم الأخلاقي و الناتج الإيجابي لجردة حسابهم مع الشعب و الوطن. إن أمة صغيرة كأمتنا لن تنجح في تقديم رسالتها العالمية ما لم تأخذ بإستراتيجيات الاعتماد على الميزة التاريخية ، فالتراث الجليل للعلماء الشناقطة يجب أن لا يبقى مجتزأ في شعارات مبتذلة تجتر يوميا لتنمية الروح الشوفينية . و عوض أن نعود أعيننا على حلكة البترول و نغذي أملا واهما بعائداته علينا أن نتحلى بالشجاعة لنتأمل وهج الحكمة و نمضي قدما في إرساء دعائم مجتمع المعرفة فالثروات ، كما هو معروف ، لم تعد موجودة في المناجم بل في الجماجم!. و لكي نتبوأ مكانا مرموقا على خارطة الأمم العصرية لا بديل عن ثورة مجتمعية تؤسس لقيم الحداثة و العقلانية و الديمقراطية التي تستند على عقد اجتماعي جديد أساسه المشاركة و التشارك لرفد العمل الوطني بالقوى المغيبة و الاستفادة من الطاقات الكامنة للشباب و الفئات المهمشة. إن المرحلة الدقيقة التي تجتازها البلاد تتطلب منا ، كشباب ، يقظة و انتباها شديدين لتوجهات الرأي العام و العمل على التأثير فيه بكل الوسائل المتاحة كي نجنب شعبنا مخاطر اختيار مصير مؤلم لدولة فتية لم تراكم تقاليد ديموقراطية يمكن الركون إليها في توطيد أسس منظومتها الاجتماعية و السياسية . و لن يكون إسهامنا مؤثرا و فاعلا ما لم يتأسس على الروح الجماعية لعمل الفريق و يلتزم مبدأ الانضباط المسؤول مع الحرص الشديد على أن نسترشد في مبادراتنا الفردية الخلاقة و الجماعية المنظمة بالأهداف التالية: 1- العمل على رفع الوعي السياسي لدى الشباب و تنظيم طاقاتهم و توجيهها لخدمة الوطن 2- إشاعة قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان 3- تعزيز التنمية البشرية و وضع أسس مجتمع المعرفة 4- محاربة القبلية السياسية و كل أشكال التعصب الجهوي و العرقي 5- وضع دراسات و خطط للإصلاح السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الإداري و القضائي 6- تشجيع العمل الطوعي التشاركي و تنمية الحس الوطني 7- تمكين المرأة و تمييزها إيجابيا 8- العمل على إنجاح الاستحقاقات الانتخابية للمرحلة الانتقالية و ذلك باتخاذ التدابير التالية: أ‌- تشكيل لجان عمل طوعية في جميع المقاطعات و تدريبها على تقنيات الحملات الانتخابية ب‌- ترشيح و دعم ترشح الشخصيات السياسية المستقيمة و الكفوءة ت‌- إلحاق الهزيمة بالسياسيين الفاسدين و التشهير بهم و فضح ماضيهم الظلامي باستخدام الوسائل المتاحة. تلكم النقاط الأساسية لبرنامج عمل مجتمعي لا يدعي امتيازات خاصة و حقوقا مباشرة لفئة الشباب بل يؤسس لمشروع خلاص ينقذ البلاد من أزمتها ومن "سياسييها" ذاتهم ، لكن "لم لا نكن واقعيين و نطلب المحال"** فـ"مايو1968" يمكن أن يستعاد بسهولة...الآن...هنا. -------------------------- * مانيفستو شبابي لدعم مبادرة الشباب الموريتاني للحوار و البناء** "لنكن واقعيين..لنطلب المستحيل" أحد شعارات الثورة الشبابية "مايو1968"

أي تعليم لمســــــــتقبل مقلق؟

إلى قديسي موريتانيا الحقيقيين..إلى أساتذة , أعرفهم , صمدوا في التعليم بعد عامهم الأول

لم يحظ التعليم باهتمام الرأي العام الموريتاني إلا في السنوات القليلة الماضية مع أن ناقوس الخطر كان قد دق منذ زمن بعيد. و ها نحن اليوم ندفع ثمن سمعنا الثقيل بعد أن أصبحت وضعية التعليم إشكالية و مأزقا يصعب الخروج منه, ذلك أن جل أساتذة و معلمي اليوم هم في حقيقة الأمر تلاميذ الأمس القريب , مما يعني أنهم تلقوا تعليمهم في حقبة ولد الطايع السوداء , و الأخطر منذلك دون شك هو أن إختيارهم قد تم وفق معايير ذاك الزمان.إن ضعف التلميذ راجع إلى فشل الأستاذ , و فشل الأستاذ عائد إلى ضعف التلميذ الذي كانه..! ليس في الأمر سفسطة إنما الحال , هنا , أشبه بحلقة أصبحت مفرغة بعد أن لحم طرفاها , و لكي نهتدي إلى مكان اللحام ( المخرج ) لسنا بحاجة إلى " خيط أريانة " بل كل ما علينا القيام به هو تكليف أنفسنا عناء الالتفات قليلا إلى الوراء حيث الإشارة الدالة على طريق فهم ماهية الأزمة كي نتدبر وسائل الخروج منها.ترافقت "ثورة" الانتشار الأفقي للتعليم في بداية التسعينات مع نهاية النظام الاحترافي التخصصي لمدرسة الأساتذة العليا الرافد الأساسي لسلك التعليم فابتسم الحظ لخريجي جامعة انواكشوط الذين تم تأهيلهم للانخراط في قطاعات أخرى.كانت البطالة تضرب أطنابها الثقيلة على البلاد و في بحر اللجة المتلاطم يصبح التعلق بقشة باعثا على الأمل , فشقوا دربهم متزاحمين بالأكتاف إلى مدرسة الأساتذة العليا رغم الاحراجات المستقبلية من وضع ما تعلموه على محك التجربة التدريسية..ما تعلموه و تلقوه من أساتذة اكملوا على عجل تعليمهم في معاهد غير معترف بها دوليا بعد أن اختاروا الطريق السهل لشغل كرسي أكاديمي في جامعة أعلن رئيسها مؤخرا على شاشة التلفزيون , دون أن يرف له جفن , أنها تعتمد تقدير البكالوريا كمعيار أساسي في اكتتاب أساتذتها و كان الصحفي المحاور دمثا فلم يسأله , مثلا , لماذا لا تعتمدون تقدير شهادة الدروس الإعدادية أو شهادة ختم الدروس الابتدائية ؟!. يمكننا أن نضيف إلى ذلك ملاحظة تشهيرية تتمثل في التنبيه إلى الاستثناء الموريتاني بين الأمم من حيث أن من يسعى , عادة , من طلابنا لاكمال دراساته العليا هم , في الأغلب , من غير اللامعين!ككل المؤسسات الموريتانية في تلك الفترة أصبحت إدارة مدرسة الأساتذة العليا بعد عزل مديرتها الأسطورية مدام با منصبا مخصصا ريعه لارضاء الأزلام. و منذ ذلك الحين أضحت شطحات مديريها الفنتازية أقرب إلى أفلام هتشكوك منها الى التبصرات الرصينة للأكاديمي المرموق أو الرؤية التخطيطية الثاقبة للإداري الناجح , و كانت تنويعات مسرح الهواة التجريبي ذاك مدهشة فشهدنا اكتتاب خريجي قسم القانون لتدريس اللغة العربية أو التاريخ و خريجي قسم الاقتصاد لتدريس مادتي الرياضيات و الفيزياء. و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فأسندوا للأستاذ الواحد ثلاث مواد في توليفة مضحكة بعد استحداثهم لشعب ثلاثية كشعبة التربية المدنية و اللغة العربية و التربية السلامية و شعبة الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و شعبة اللغة العربية و الفلسفة و التربية المدنية.اعتمدت المدرسة نظامين أساسيين قي التكوين : أحدهما سريع لا تتجاوز مدته 45 يوما و الآخر طويل تصل مدته إلى السنتين دون أن تضع معايير تفضيلية لخريجي التكوينين في أسلوب ارتجالي جر أيضا مفارقات غير مفهومة كاكتتاب أساتذة فلسفة مساعدين!أدى تدهور سعر صرف الأوقية في التسعينات إلى انهيار دراماتيكي للطبقة الوسطى تمثل في تراجع القدرة الشرائية لأعداد متزايدة من الموظفين و سقوط مدو لمنظومة قيم امحى حاملها الاجتماعي من الوجود.و قد شكل قطاع التعليم الحر الناشئ وقتئذ اسفنجة ماصة لأساتذة مصعوقين من تبدل أحوالهم الاجتماعية و ما فاض منهم جرفه , بعيدا و دون رحمة , تيار الحياة الجديدة فتفرقوا أيادي سبأ.اغتنم النظام البائد فرصة رفع التقييد جزئيا عن نفقات التعليم من قبل مؤسسات بروتن وودز فطفق يوزع المدارس على مختلف المجموعات المحلية و في حمى هوسه التعبوي وجد ضالته المنشودة في نسب التمدرس العالية التي تلقفتها أجهزته الإعلامية في دعاية رخيصة أغفلت سقوط نظرية أخرى لكارل ماركس : فالتحولات الكمية لم تؤد إلى تغيرات نوعية!في زمن الفساد و الإفساد عصفت بموضوع الإصلاح الإداري للتعليم زوبعة من الأهواء و التحيزات الشخصية فجادت القرائح بالعجب العجاب و كشر الرسميون عن رؤاهم "الإصلاحية" فهذا وزير يختزل مفهوم الاستقامة و الإصلاح في منع التحويل من الولايات إلى انواكشوط و يصيب بذلك سمعة و ذكرا , و ذاك آخر يشهر قلم الشطب و الفصل منصبا "محكمته الخاصة" دون أن ينظر في قضايا إنفاق ميزانيات المؤسسات التعليمية بدعوى "عدم الاختصاص"..ربما!أما الإصلاح التربوي القائم على الازدواجية اللغوية بحيث تدرس المواد العلمية باللغة الفرنسية فيما تقدم المواد الأخرى باللغة العربية فلم يعد خافيا على أحد إلى أين سيقودنا, و آباء التلاميذ , بوجه خاص , الذين آثروا الصمت في زمن الخوف على أمل أن يتقن أبناؤهم لغة أجنبية , يدركون اليوم أكثر من غيرهم فداحة الثمن المدفوع:فبلادهم لن تعرف , على الأرجح , في العقود المقبلة رجالا بارعين في الميادين التي تتطلب استخداما فنيا للغة.ترتكز الفكرة الأساسية لمنهج مقاربة الكفايات على قاعدة براغماتية تسعى إلى استخلاص الجانب العملي و السطحي للأفكار و المعلومات , و دفع التلميذ إلى توظيفها في حياته اليومية , و هي بذلك تخلط بشكل تعسفي بين المؤسسة التعليمية كحيز مؤطر و بين الحياة كفضاء عام , و يمكن القول أيضا مع قليل من التجاوز إن مقاربة الكفايات تكاد تطابق بشكل مخل بين التعليم الأكاديمي و التعليم المهني و الفني.تلحظ الثقافة الغربية هوة ما بين الفكر و الواقع, و من يقرأ "كانديد" لفولتير و "دون كيشوت" لسرفانتس يستخلص بسهولة مدى الضرر المهلك الذي قد ينجم عن محاولة التطبيق الحرفي للفكر على الواقع ذلك أن للفكر جانبا معنويا و جماليا نسمو به ذاتيا و آخر موضوعي نسيطر به على الواقع لكن تخيلوا شخصا يغفل "الوسط المكسور" بين القطبين ( فكر- واقع ) و بعد أن يقرأ كل الروايات البطولية يخرج ليبارز طواحين الهواء ! ..تلكم كانت "الكفاية" التي اختارها دون كيشوت.إذا سلمنا أن منهج مقاربة الكفايات مفيد عمليا لمن يترك الدراسة في مراحلها الأولى فهو , دون شك , ضار و هدام للقدرات العقلية و التخيلية لمن يريد من تلاميذنا مواصلة دروب العلم الشاقة . و هنا يحسن بنا التوقف قليلا أمام الحقيقة الإحصائية المرة و التي تؤكد تفوق من تلقوا تعليما محظريا على أقرانهم في المدرسة و الحياة العملية لنتساءل : هل كل ما قيل لنا سابقا عن سلبيات التلقين و تكديس المعلومات هو محض هراء؟لكي تتدارك هفوات "الإصلاح" و تدني المستوى التعليمي لم يبق أمام الدولة من خيار سوى التبني العملي لفكرة المدارس النموذجية أو ما يمكن أن نطلق عليه مدارس المتفوقين لتخريج نخب الغد و فصلها عن المدارس الأخرى ثم إسناد مهمة التدريس فيها لأساتذة متخصصين بدل أن يعهد فيها بتدريس مادة مثل اللغة العربية لأستاذ يحمل إجازة في العلوم السياسية!يجب على مسؤولي التعليم أيضا أن يعيدوا النظر مجددا في الأوضاع المادية المزرية لمدرسي التعليم الثانوي و الأساسي , و أن يبحثوا عن سبل جديدة تجعل من فعل التعليم مهنة ممتعة و مسؤولة . صحيح أنهم رفعوا الراتب فأصبح يزيد قليلا على جائزة "أحجية اليوم" لكن عليهم أن يخبرونا , أولا , كم من أحجية مفيدة و ممتعة يشرحها المدرس يوميا لتلاميذه المحبطين , و كم سنخسر من وقت و جهد ثمينين لو أن المدرسين قرروا دون سابق إنذار رفع شعار: يا أساتذة موريتانيا اتحدوا..--------------------تنبيه من الكاتب: إن التعميمات السلبية الواردة في هذا المقال تفترض , أيضا , وجود استثناءات مشرقة , ولا تهدف قطعا إلى الإساءة.

المجتمع الموريتاني على الأنترنت

يهدف هذا الورقة إلى تسليط الضوء على خفايا الموريتانيين من مستخدمي شبكة المعلومات الدولية ويركز بشكل خاص على أولئك المهتمين بخدمات التواصل سواء وظفوا ذلك التواصل في غايات سياسية تتعلق بالشأن العام أم اقتصروا على تمضية الوقت بتسلية بريئة وهم يدردشون ويثرثرون بأحاديث لاتدعي تغيير العالم.ولأن اهتمامنا منصب بشكل أساسي على التواصل الحي والمباشر، فسنهمل بكل أسف ، الحديث عن الدور التفاعلي المهم الذي تلعبه المواقع الإخبارية الموريتانية الشهيرة وسنبتعد أيضاً عن سجالات ما يسمى بالمجموعات أو منتديات الحوار الأقل شهرة والمنتشرة بكثرة في غوغل و ياهو .بعد أن كانت الدردشة في نهاية التسعينات مقتصرة على الأسلوب الكتابي، وأنا أتذكر هنا كيف تلقف مستخدمو الأنترنت في تلك الفترة خدمات أم أي أر سي بإعجاب شديد ، أصبحت التقنيات المتوفرة اليوم تسمح بتحاور حي بالصوت و الصورة مما أتاح إمكانية تواصل قريب من الحضور الفيزيائي وقلل من مخاطر الانخداع بالتعرف على الشركاء في حالة تصريحهم الكاذب . توجد اليوم على الأنترنت ثلاثة مواقع رئيسية تقدم برمجيات تواصل حي بتقنية الصوت والصورة هي أم أس أن و ياهو ماسنجر و اسكايبي

المواقع الثلاثة المذكورةتوفر وسيلة اتصال رخيصة يستخدمها الملايين من البشر عبر العالم ، ومنذ سنوات بدأ الموريتانيون خاصة منهم أولئك المغتربون استعمالها لدواعٍ وغايات متباينة تباين فئاتهم العمرية ومستوياتهم الثقافية واهتماماتهم السياسية . سنعرض فيما يلي لمؤشر الميل للاستخدام مع تحليل للأسباب والدوافع التي تجعل البعض يصر على البقاء فترات غير محدودة في وضعية ( أون لاين ) أولاً – قياس مؤشر الميل نحو الاستخدام :أظهر تتبعنا لطبيعة الموريتانيين المستخدمين لتقنية التواصل عبر الأنترنت وجود العديد من المتغيرات المستقلة التي تؤثر زيادة أو نقصانا في مؤشر الميل نحو الاستخدام ومن هذه المتغيرات نذكر : 1ً- عامل العمر : تظهر الفئة العمرية الصغيرة /12-18/ سنة ميلاً مرتفعاً لاستخدام آليات التواصل عبر الأنترنت بدافع التسلية وهي تتشكل أساساً من تلاميذ المدارس والثانويات ، أما الفئة العمرية التي تليها /19-35/ سنة فيخف عندها مؤشر الميل نسبياً فيما ينخفض بشكل ملحوظ لدى الفئة العمرية المتقدمة في السن /35-65/ سنة 2ً- المستوى التعليمي : وهو متغير ذو حدين ، يؤثر تأثيراً مزدوجاً على مؤشر الاستخدام الذي يرتفع لدى متوسطي التعليم ليعود إلى الانخفاض عند من تلقوا تعليماً جامعياً عالياً ، ويرجع ذلك إلى تدخل متغيرات وسيطة مثل العمر المتقدم نسبياً لذوي المستوى التعليمي العالي .3ًٍ- عامل الغربة : يؤثر عامل الاغتراب في زيادة الميل إلى استخدام تقنيات التواصل عبر الأنترنت كتعويض عن الفشل بالاندماج في المجتمعات المضيفة ، لذلك يرتفع مؤشر الميل إلى الاستخدام لدى الموريتانيين المقيمين في أوروبا وأمريكا الشمالية بسبب عوائق الاندماج في مجتمع مختلف الثقافة كما يرتفع المؤشر أيضاً عند الموريتانيين المقيمين في الخليج نتيجة الرفض من مجتمعات جد محافظة .وهنا يجب استبعاد ارتفاع المستوى المعيشي للمغتربين الموريتانيين كمحفز على الميل إلى الاستخدام لأن خدمة الأنترنت ، كما هو معلوم ، غير مكلفة ورخيصة الثمن في جميع بلدان العالم . 4ً- الحالة الاجتماعية : يلاحظ ارتفاع مؤشر الميل إلى الاستخدام لدى العازبين أكثر منه لدى المتزوجين ويعود ذلك في جزء منه إلى تدخل متغيرات أخرى كعامل العمر الذي يعد مثبطاً لارتفاع مؤشر الميل كما مرّ معنا سابقاً ، لذلك من الطبيعي أن ينخفض مؤشر الميل لدى المتزوجين على اعتبار أنهم في مجملهم ينتمون إلى فئة عمرية أكبر من الفئة العمرية للعازبين ، يضاف إلى ذلك عامل الاندماج والاستقرار الاجتماعي لدى المتزوجين الذي يحد عموماً من الميل للاستخدام .5ً- عامل الجنس : أظهر رصدنا المتكرر لمواقع التواصل الحي غلبة العنصر الذكوري بشكل لافت على الحضور الأنثوي ويعود ذلك إلى تدخل متغيري الاغتراب والمستوى التعليمي للرفع من مستوى مؤشر الميل لدى الذكور فيما تعاني المرأة من أغلالها الاجتماعية وتدني مستواها التعليمي .ثانياً – دوافع وغايات الاستخدام :تتعدد وتتنوع دوافع وغايات استخدام تقنيات التواصل الحي بتعدد وتنوع اهتمامات وأمزجة المستخدمين وتختلف باختلاف الفئة العمرية والمستوى التعليمي ، وغير ذلك من المتغيرات المحددة لمؤشر الميل للاستخدام والتي تناولناها بشكل مستقل لدواعي تحليلية بحتة . ومثلما يمكن لمتغيرات عدة أن تتضافر للدفع بمؤشر الميل إلى الاستخدام نحو الارتفاع كذلك يمكن لدوافع وغايات عدة أن تتداخل عند بعض المستخدمين وتوجه طبيعة تواصلهم مع الآخرين . 1ً- غايات سياسية : استخدمت المعارضة الموريتانية في الخارج أبان فترة حكم ولد الطايع تقنية التواصل عبر الأنترنت بهدف تجاوز المشكلات التنظيمية الناجمة عن التشتت الجغرافي لمنافي أعضائها وبغرض الحصول على أنصار جدد وتنسيق الأعمال وتبادل الآراء والرؤى الهادفة إلى الإطاحة بنظام الدكتاتور .وبعد انتفاء الأسباب الداعية إلى المعارضة الخارجية لاشك أن زملاء النضال السياسي ما زالوا يستخدمون تقنية التواصل لتبادل أخبار الوطن في محاولة لبث روح الشجاعة بينهم من أجل تحمل العودة إلى موريتانيا .2ً- غاية الترفيه والبحث عن شريك : تسعى غالبية مستخدمي تقنية التواصل الحي عبر الأنترنت إلى التسلية والترفيه من خلال الدردشة مع مجهولين حول العالم وتبادل النكات والصور الطريفة ، وفي هذه الحالة غالباً ما ينتقي المستخدمون ألقاباً مستعارة عند تقديمهم أنفسهم للآخرين ، فمن الحمق أن تتركهم يتعرفون عليك وأنت في حالة تصابي غير جادة ! .ومع ذلك يحدث كثيراً أن تتطور العلاقات بين المتواصلين لتبلغ مرحلة الصداقة الحميمة بل أكثر من ذلك فالبعض يدعي أحياناً عثوره على الشريك في مواقع التواصل عبر الأنترنت .3ً- محادثة الأهل والأصدقاء : يسعى بعض المستخدمين إلى استعمال مواقع التواصل عبر الأنترنت كبديل عن الهاتف المرتفع التكلفة وذلك من أجل محادثة أفراد أسرهم وأصدقائهم المقربين ، وعادة ما يظهرون بأسمائهم الحقيقية لشد انتباه معارفهم من مستخدمي المواقع المذكورة ، كما أنهم يستخدمون بعض خيارات المنع المتوفرة لإيصاد الأبواب أمام الفضوليين والمتلصصين .4ً- غايات جادة : يقوم بعض المستخدمين بتوظيف التواصل لغايات جادة كالتفاوض في أمور تتعلق بأعمالهم أو النقاش في مواضيع معرفية تستلزمها أبحاث ودراسات عاكفون على كتابتها ، كما أن هناك من يستخدم التواصل لغايات دعوية روحية يمكن أن يستفيد منها جمهور المستخدمين فيتعظ وينتبه إلى ما هو أسمى .ومع ذلك يمكن ملاحظة أن نسبة معينة ممن يقدمون أنفسهم كمتواصلين جادين ما هم في الحقيقة إلا مدمنو أنترنت لم يعد سنهم ووضعهم الاجتماعي يسمح لهم بالتعاطي غير الجاد فلبسوا عباءة الجدية والرزانة التي كثيراً ما ينكشف أحد أطرافها عن مفاجأة مدهشة كحالة المتواصل الذي يقدم نفسه كداعية في حين أن موهبته في الوعظ لا تسمو إلى مستوى مهارته في استخدام ( أيقونات العواطف): إنها محاولة خجولة لشخص يريد أن يتسلى ! لكن من قال أصلاً أن الترفيه أمر مرذول ؟!

بحث استكشافي أخذت معطياته من ملاحظة نسب الارتياد لمقهى الأنترنت في مدينة كيهيدي بالإضافة إلى الرصد المتكرر لعينات عشوائية من مستخدمي مواقع التواصل خلال فترة زمنية محددة .