يهدف هذا الورقة إلى تسليط الضوء على خفايا الموريتانيين من مستخدمي شبكة المعلومات الدولية ويركز بشكل خاص على أولئك المهتمين بخدمات التواصل سواء وظفوا ذلك التواصل في غايات سياسية تتعلق بالشأن العام أم اقتصروا على تمضية الوقت بتسلية بريئة وهم يدردشون ويثرثرون بأحاديث لاتدعي تغيير العالم.ولأن اهتمامنا منصب بشكل أساسي على التواصل الحي والمباشر، فسنهمل بكل أسف ، الحديث عن الدور التفاعلي المهم الذي تلعبه المواقع الإخبارية الموريتانية الشهيرة وسنبتعد أيضاً عن سجالات ما يسمى بالمجموعات أو منتديات الحوار الأقل شهرة والمنتشرة بكثرة في غوغل و ياهو .بعد أن كانت الدردشة في نهاية التسعينات مقتصرة على الأسلوب الكتابي، وأنا أتذكر هنا كيف تلقف مستخدمو الأنترنت في تلك الفترة خدمات أم أي أر سي بإعجاب شديد ، أصبحت التقنيات المتوفرة اليوم تسمح بتحاور حي بالصوت و الصورة مما أتاح إمكانية تواصل قريب من الحضور الفيزيائي وقلل من مخاطر الانخداع بالتعرف على الشركاء في حالة تصريحهم الكاذب . توجد اليوم على الأنترنت ثلاثة مواقع رئيسية تقدم برمجيات تواصل حي بتقنية الصوت والصورة هي أم أس أن و ياهو ماسنجر و اسكايبي
المواقع الثلاثة المذكورةتوفر وسيلة اتصال رخيصة يستخدمها الملايين من البشر عبر العالم ، ومنذ سنوات بدأ الموريتانيون خاصة منهم أولئك المغتربون استعمالها لدواعٍ وغايات متباينة تباين فئاتهم العمرية ومستوياتهم الثقافية واهتماماتهم السياسية . سنعرض فيما يلي لمؤشر الميل للاستخدام مع تحليل للأسباب والدوافع التي تجعل البعض يصر على البقاء فترات غير محدودة في وضعية ( أون لاين ) أولاً – قياس مؤشر الميل نحو الاستخدام :أظهر تتبعنا لطبيعة الموريتانيين المستخدمين لتقنية التواصل عبر الأنترنت وجود العديد من المتغيرات المستقلة التي تؤثر زيادة أو نقصانا في مؤشر الميل نحو الاستخدام ومن هذه المتغيرات نذكر : 1ً- عامل العمر : تظهر الفئة العمرية الصغيرة /12-18/ سنة ميلاً مرتفعاً لاستخدام آليات التواصل عبر الأنترنت بدافع التسلية وهي تتشكل أساساً من تلاميذ المدارس والثانويات ، أما الفئة العمرية التي تليها /19-35/ سنة فيخف عندها مؤشر الميل نسبياً فيما ينخفض بشكل ملحوظ لدى الفئة العمرية المتقدمة في السن /35-65/ سنة 2ً- المستوى التعليمي : وهو متغير ذو حدين ، يؤثر تأثيراً مزدوجاً على مؤشر الاستخدام الذي يرتفع لدى متوسطي التعليم ليعود إلى الانخفاض عند من تلقوا تعليماً جامعياً عالياً ، ويرجع ذلك إلى تدخل متغيرات وسيطة مثل العمر المتقدم نسبياً لذوي المستوى التعليمي العالي .3ًٍ- عامل الغربة : يؤثر عامل الاغتراب في زيادة الميل إلى استخدام تقنيات التواصل عبر الأنترنت كتعويض عن الفشل بالاندماج في المجتمعات المضيفة ، لذلك يرتفع مؤشر الميل إلى الاستخدام لدى الموريتانيين المقيمين في أوروبا وأمريكا الشمالية بسبب عوائق الاندماج في مجتمع مختلف الثقافة كما يرتفع المؤشر أيضاً عند الموريتانيين المقيمين في الخليج نتيجة الرفض من مجتمعات جد محافظة .وهنا يجب استبعاد ارتفاع المستوى المعيشي للمغتربين الموريتانيين كمحفز على الميل إلى الاستخدام لأن خدمة الأنترنت ، كما هو معلوم ، غير مكلفة ورخيصة الثمن في جميع بلدان العالم . 4ً- الحالة الاجتماعية : يلاحظ ارتفاع مؤشر الميل إلى الاستخدام لدى العازبين أكثر منه لدى المتزوجين ويعود ذلك في جزء منه إلى تدخل متغيرات أخرى كعامل العمر الذي يعد مثبطاً لارتفاع مؤشر الميل كما مرّ معنا سابقاً ، لذلك من الطبيعي أن ينخفض مؤشر الميل لدى المتزوجين على اعتبار أنهم في مجملهم ينتمون إلى فئة عمرية أكبر من الفئة العمرية للعازبين ، يضاف إلى ذلك عامل الاندماج والاستقرار الاجتماعي لدى المتزوجين الذي يحد عموماً من الميل للاستخدام .5ً- عامل الجنس : أظهر رصدنا المتكرر لمواقع التواصل الحي غلبة العنصر الذكوري بشكل لافت على الحضور الأنثوي ويعود ذلك إلى تدخل متغيري الاغتراب والمستوى التعليمي للرفع من مستوى مؤشر الميل لدى الذكور فيما تعاني المرأة من أغلالها الاجتماعية وتدني مستواها التعليمي .ثانياً – دوافع وغايات الاستخدام :تتعدد وتتنوع دوافع وغايات استخدام تقنيات التواصل الحي بتعدد وتنوع اهتمامات وأمزجة المستخدمين وتختلف باختلاف الفئة العمرية والمستوى التعليمي ، وغير ذلك من المتغيرات المحددة لمؤشر الميل للاستخدام والتي تناولناها بشكل مستقل لدواعي تحليلية بحتة . ومثلما يمكن لمتغيرات عدة أن تتضافر للدفع بمؤشر الميل إلى الاستخدام نحو الارتفاع كذلك يمكن لدوافع وغايات عدة أن تتداخل عند بعض المستخدمين وتوجه طبيعة تواصلهم مع الآخرين . 1ً- غايات سياسية : استخدمت المعارضة الموريتانية في الخارج أبان فترة حكم ولد الطايع تقنية التواصل عبر الأنترنت بهدف تجاوز المشكلات التنظيمية الناجمة عن التشتت الجغرافي لمنافي أعضائها وبغرض الحصول على أنصار جدد وتنسيق الأعمال وتبادل الآراء والرؤى الهادفة إلى الإطاحة بنظام الدكتاتور .وبعد انتفاء الأسباب الداعية إلى المعارضة الخارجية لاشك أن زملاء النضال السياسي ما زالوا يستخدمون تقنية التواصل لتبادل أخبار الوطن في محاولة لبث روح الشجاعة بينهم من أجل تحمل العودة إلى موريتانيا .2ً- غاية الترفيه والبحث عن شريك : تسعى غالبية مستخدمي تقنية التواصل الحي عبر الأنترنت إلى التسلية والترفيه من خلال الدردشة مع مجهولين حول العالم وتبادل النكات والصور الطريفة ، وفي هذه الحالة غالباً ما ينتقي المستخدمون ألقاباً مستعارة عند تقديمهم أنفسهم للآخرين ، فمن الحمق أن تتركهم يتعرفون عليك وأنت في حالة تصابي غير جادة ! .ومع ذلك يحدث كثيراً أن تتطور العلاقات بين المتواصلين لتبلغ مرحلة الصداقة الحميمة بل أكثر من ذلك فالبعض يدعي أحياناً عثوره على الشريك في مواقع التواصل عبر الأنترنت .3ً- محادثة الأهل والأصدقاء : يسعى بعض المستخدمين إلى استعمال مواقع التواصل عبر الأنترنت كبديل عن الهاتف المرتفع التكلفة وذلك من أجل محادثة أفراد أسرهم وأصدقائهم المقربين ، وعادة ما يظهرون بأسمائهم الحقيقية لشد انتباه معارفهم من مستخدمي المواقع المذكورة ، كما أنهم يستخدمون بعض خيارات المنع المتوفرة لإيصاد الأبواب أمام الفضوليين والمتلصصين .4ً- غايات جادة : يقوم بعض المستخدمين بتوظيف التواصل لغايات جادة كالتفاوض في أمور تتعلق بأعمالهم أو النقاش في مواضيع معرفية تستلزمها أبحاث ودراسات عاكفون على كتابتها ، كما أن هناك من يستخدم التواصل لغايات دعوية روحية يمكن أن يستفيد منها جمهور المستخدمين فيتعظ وينتبه إلى ما هو أسمى .ومع ذلك يمكن ملاحظة أن نسبة معينة ممن يقدمون أنفسهم كمتواصلين جادين ما هم في الحقيقة إلا مدمنو أنترنت لم يعد سنهم ووضعهم الاجتماعي يسمح لهم بالتعاطي غير الجاد فلبسوا عباءة الجدية والرزانة التي كثيراً ما ينكشف أحد أطرافها عن مفاجأة مدهشة كحالة المتواصل الذي يقدم نفسه كداعية في حين أن موهبته في الوعظ لا تسمو إلى مستوى مهارته في استخدام ( أيقونات العواطف): إنها محاولة خجولة لشخص يريد أن يتسلى ! لكن من قال أصلاً أن الترفيه أمر مرذول ؟!
بحث استكشافي أخذت معطياته من ملاحظة نسب الارتياد لمقهى الأنترنت في مدينة كيهيدي بالإضافة إلى الرصد المتكرر لعينات عشوائية من مستخدمي مواقع التواصل خلال فترة زمنية محددة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق