دخلت موريتانيا الحبيبة فجر الثالث من أغسطس 2005 مرحلة انتقالية حاسمة ستحدد مستقبلها لعقود قادمة بشكل لا رجعة فيه ، وككل الانعطافات الكبرى في تاريخ الأمم يبرز اليوم ، في الساحة الداخلية ، صراع محموم لامتلاك سيف المصير بين من يريد لموريتانيا أن تقطع مع عهود التخلف و الظلام و بين من يترصد أقرب سانحة لذبح الأمل الوليد.
إن الفرصة الثرية التي يقدمها التاريخ لأبناء موريتانيا هي ، دون شك ، أسمى و أثمن من أن يترك تقديرها لطبقة سياسية فاسدة ، جلبت رؤاها المشؤومة الخراب لنسيج و لحمة مجتمعنا الأبي ، و اغتالت عقلياتها القاصرة و قيمها الفاسدة روح موريتانيا المعطاء.
لقد وضع عقم التصورات المقدمة في الأيام التشاورية نقطة عند نهاية سطور كتبوها بحبر من دم و عرق و أنين الآخرين ، و هم اليوم بأدائهم المتراخي و المشلول إنما يفتحون الباب لقوانا الحية و الشابة كي تعتلي محرابا طالما دنسوه.
يمارسون السياسة بروح مافوية ، يخرجون من عباءة المبادئ و الأيديولوجيا ليتبادلوا أدوار الولاء و المعارضة و ليقتسموا في الخفاء كعكة عجنت بدم الوطن المهدور . و لا همّ أن تضيع المعايير و تلتبس الأمور فهذا عروبي يدافع عن فرنسة التعليم ، و ذاك اسلاموي يتغنى بقانون المساجد ، أما يساري هذا الزمان فابحث عنه على يمين صورة رجال الأعمال.
ينمقون ديباجات دساتير أحزابهم بالكلام المعسول و يودعون البرامج الطموحة الورق الصقيل و لا أحد منهم يعرف ما يميز حزبه عن أحزاب الآخرين ، و في حمى سباقهم المجنون يجروننا إلى شفير هاوية جشعهم الرهيب.
لم تعد الصدوع الأفقية المحددة للطبقات الاجتماعية ذات مغزى كبير في مجتمع ترتفع فيه ، يوميا ، جدران العزل العمودية الصماء و يتمترس أبناؤه في خنادق الاصطفاف الجهوي و تصر طبقته السياسية على أن تجعل من أحزابه السياسية رقما يضاهي عدد قبائله .
لقد بنوا قاعدة استقطاباتهم على القبيلة و الجهة ، و بدل أن يضعوا أصابعهم على موطن الداء جلسوا يتبادلون ، فيما بينهم ، الإشارات ، فالسياسة في عرفهم هي ، قبل أي شيء آخر ، صراع إقصائي بلا ميثاق شرف و حرب كل ضد كل ، تتبدد فيها الجهود و لا يبقى سوى الصراخ.
إن مجتمعا لا تسمو طبقته السياسية إلى مستوى الاستحقاقات الوطنية ينضج شبابه قبل الأوان ، و ليس الأمر قضية صراع أجيال إنما هي روح الوطن تصطفي الأصلح من أبنائه كي يوقفوا الانحدار.
هيّ ذي موريتانيا المغدورة تستند شامخة على سواعد أبناءها الشباب المنتظمين في مبادرتهم من أجل الحوار و البناء ليعطوا أملا بنسغ جديد يغذي دوحة تُظل الجميع و ليضعوا على أفق بلا أنواء شمسا تنير بسمة مستقبل قريب تنتفي فيه أشكال الفساد الاستغلال.
من كل أركان الوطن ، من منافيهم البعيدة ، من كل المسارب و المشارب ها هم يقلعون عن أفيون الأيديولوجيا ، و بتصميم لا يلين ينسجون أواصر إخائهم العظيم و يرسمون وجها لموريتانيا لن يخيف الورثة اللاحقين.
و ببرنامج عملهم يضعون حجر الزاوية لثقافة سياسية جديدة لا تستند إلى مفاهيم الأبوية و الولاء الأعمى ، ثقافة تقتصر فيها قوة الحضور السياسي للآباء المسنين على وزنهم الأخلاقي و الناتج الإيجابي لجردة حسابهم مع الشعب و الوطن.
إن أمة صغيرة كأمتنا لن تنجح في تقديم رسالتها العالمية ما لم تأخذ بإستراتيجيات الاعتماد على الميزة التاريخية ، فالتراث الجليل للعلماء الشناقطة يجب أن لا يبقى مجتزأ في شعارات مبتذلة تجتر يوميا لتنمية الروح الشوفينية . و عوض أن نعود أعيننا على حلكة البترول و نغذي أملا واهما بعائداته علينا أن نتحلى بالشجاعة لنتأمل وهج الحكمة و نمضي قدما في إرساء دعائم مجتمع المعرفة فالثروات ، كما هو معروف ، لم تعد موجودة في المناجم بل في الجماجم!. و لكي نتبوأ مكانا مرموقا على خارطة الأمم العصرية لا بديل عن ثورة مجتمعية تؤسس لقيم الحداثة و العقلانية و الديمقراطية التي تستند على عقد اجتماعي جديد أساسه المشاركة و التشارك لرفد العمل الوطني بالقوى المغيبة و الاستفادة من الطاقات الكامنة للشباب و الفئات المهمشة.
إن المرحلة الدقيقة التي تجتازها البلاد تتطلب منا ، كشباب ، يقظة و انتباها شديدين لتوجهات الرأي العام و العمل على التأثير فيه بكل الوسائل المتاحة كي نجنب شعبنا مخاطر اختيار مصير مؤلم لدولة فتية لم تراكم تقاليد ديموقراطية يمكن الركون إليها في توطيد أسس منظومتها الاجتماعية و السياسية .
و لن يكون إسهامنا مؤثرا و فاعلا ما لم يتأسس على الروح الجماعية لعمل الفريق و يلتزم مبدأ الانضباط المسؤول مع الحرص الشديد على أن نسترشد في مبادراتنا الفردية الخلاقة و الجماعية المنظمة بالأهداف التالية:
1- العمل على رفع الوعي السياسي لدى الشباب و تنظيم طاقاتهم و توجيهها لخدمة الوطن
2- إشاعة قيم الديمقراطية و حقوق الإنسان
3- تعزيز التنمية البشرية و وضع أسس مجتمع المعرفة
4- محاربة القبلية السياسية و كل أشكال التعصب الجهوي و العرقي
5- وضع دراسات و خطط للإصلاح السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الإداري و القضائي
6- تشجيع العمل الطوعي التشاركي و تنمية الحس الوطني
7- تمكين المرأة و تمييزها إيجابيا
8- العمل على إنجاح الاستحقاقات الانتخابية للمرحلة الانتقالية و ذلك باتخاذ التدابير التالية:
أ- تشكيل لجان عمل طوعية في جميع المقاطعات و تدريبها على تقنيات الحملات الانتخابية
ب- ترشيح و دعم ترشح الشخصيات السياسية المستقيمة و الكفوءة
ت- إلحاق الهزيمة بالسياسيين الفاسدين و التشهير بهم و فضح ماضيهم الظلامي باستخدام الوسائل المتاحة.
تلكم النقاط الأساسية لبرنامج عمل مجتمعي لا يدعي امتيازات خاصة و حقوقا مباشرة لفئة الشباب بل يؤسس لمشروع خلاص ينقذ البلاد من أزمتها ومن "سياسييها" ذاتهم ، لكن "لم لا نكن واقعيين و نطلب المحال"** فـ"مايو1968" يمكن أن يستعاد بسهولة...الآن...هنا.
--------------------------
* مانيفستو شبابي لدعم مبادرة الشباب الموريتاني للحوار و البناء** "لنكن واقعيين..لنطلب المستحيل" أحد شعارات الثورة الشبابية "مايو1968"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق